في أحد البرامج التليفزيونية “الحوارية”، بدا الشيخ الأزهري المعمم جريئاً أكثر مما يحتمله منصبه أو مكانته الأزهرية. كانت آراؤه فيما يدور على الساحة المصرية والعربية صادمة، وقوية، لكنه كان يدلي بها مبتسماًَ هادئاً ومتصالحاً مع نفسه وآرائه. ليس غريباً أن يكون شيخ الأزهر قوياً في الحق فهذا ما يجب، لكن الظرف الذي تعيشه مصر ويعيشه الأزهر ظرف صعب خاصة أن الأزهر المجيد يتلقى سهاماً شديدة من خصومه المتشددين ممن يريدون سحبه وأخذ الدين إلى زاوية التطرف والتشدد، في الوقت الذي لا يستطيع فيه إلا أن يبقى رافعة للإسلام الوسطي السمح والنبيل. تحية لذلك الشيخ الذي تلقى على صفحته على الفيس بوك شتائم وسبابا واتهامات لا تحتمل، أكبرها العمالة، وأقلّها اتهامه بأنه من ضمن فلول النظام السابق. في برنامج ديني آخر، قال شيخ آخر: إنه لاحظ أن الكتاب، والصحفيين، والأدباء، والمتحاورين في البرامج الفضائية السياسية وغير السياسية، شيوخا ورجال دين، وغيرهم ممن يظهرون على الفضائيات أو يشتغلون بالفكر وقيادة الجماهير وتشكيل الرأي العام في الوطن العربي اليوم يبدون متحفظين أكثر مما يجب، ليس لجهل أو قلة شجاعة، لكن لوجود إرهاب فكري مجتمعي يسلط على كل مخالف يقول رأياً مختلفاً عن الرأي السائد، حيث تستغل مواقع التواصل الاجتماعي، ولذلك يؤثر الكثيرون السلامة ولا يخوضون مع الحمقى في جدالات عقيمة، وتلك واحدة من إشكالات الحرية. وسئل منتج “مسلسل الداعية” عن انطباعه حول الضجة التي أثارتها هذه النوعية من المسلسلات المصرية التي وجهت سهام نقد لاذعة لموجة التطرف الديني والإتجار بالإسلام وتيارات الإسلام السياسي وغير ذلك، فقال: إن هذا النقد لازم لفضح ما يحمله هذا التوجه من مخاطر تنعكس أول ما تنعكس على الدين الإسلامي وعلى أهل الدين من كافة المسلمين؛ ما لفت نظري قوله: الحمد لله إننا ننعم بنجاح وتألق هذا العمل الذي حظي بترحيب مجتمعي وباحتفاء النقاد، لكن الحمد لله أكثر على أنهم منشغلون عنا في اعتصامهم في رابعة وميدان النهضة “يقصد الإخوان”، وإلا، فالله وحده يعلم ماذا سيشنون علينا من حرب فكرية لا يتوانون فيها عن استخدام كل الوسائل.   وفي مصر وغيرها، في الشدائد والفتن، وفي أوقات الرخاء والراحة، لا يحتاج قادة الرأي والعلماء شيئاً قدر حاجتهم للحرية، ولا يُنتقدون في أمر قدر انتقادهم لتراجع منسوب الحرية في أدبهم ونتاجهم الفكري، لكن الحرية كما قال ذلك الشيخ حالة اجتماعية أو مجتمعية، لا يقررها فرد واحد، وهي ليست فرض كفاية، الحرية في الحياة والإبداع والدين فرض عين. لماذا يشكر المنتج ربه حين يجد خصومه منشغلين في اعتصاماتهم بينما يعرض عملا يفضح توجهاتهم؟ أليس من حقهم أن يردوا عن أنفسهم من قبيل حرية واحترام الرأي الآخر؟ أظن أن هذا المنتج ما كان سيفرح لو أن خصومه واجهوا الفكرة بالفكرة والحجة بالحجة، لكن حين يصل الأمر بالخصم أن يوظف الدين محارباً به، وجاعلاً منه منصة ورصاصة ورشاشاً وأبواقاً، وأن يرفع صوته به باطلاً لا حقاً ليل نهار، يخاصم باسمه ويخرب البلاد ويقلب أمان الناس وسلامهم، لأنه يخوض حرب استرداد مقدسة، فمن الطبيعي أن يقتلك باسم الدين أيضاً، معتبراً قتلك جهاداً في سبيل حربه المقدسة! ayya-222@hotmail.com