في إحدى قصص مجموعته «تفاحة الدخول للجنة»، كتب سلطان العميمي هذا النص الإنساني: «افتتح وزير الفنون وعدد كبير من وجهاء البلد، المعرض الذي أقامه الفنان التشكيلي ماهر الحاذق في أرقى صالة عرض في العاصمة، عارضاً فيه مجسمات فنية بديعة شكّلها من مخلفات قمامة الأحياء الفقيرة». ربما يعرف بعضنا سلطان العميمي عضواً في لجنة تحكيم برنامج شاعر المليون التلفزيوني، ومديراً لأكاديمية الشعر العربي في هيئة سياحة وثقافة أبوظبي، لكنني لم أكن أعرف أن سلطان يكتب القصة. وقعت على مجموعته القصصية بالمصادفة، كنت أبحث عن كتاب أدبي إماراتي غير المعروض على واجهة المكتبة مما يحمل عناوين مشاريب المقاهي كموضة نشر حديثة من دون أن تحمل أي قيمة حقيقية للأسف، فيظن القارئ أنه بصدد قراءة كتاب يحوي حرارة القهوة فإذا بالصفحات لا تمنحه سوى برد الفراغ . تصفحي لكتاب سلطان أشعرني أن هذا الرجل لديه شيء مختلف يريد قوله، وصوته تائه بين حمى النشر المحلية التي تقدم أي شيء بدعوى تشجيع الكاتب الإماراتي حتى انتشر الغث والركيك ليؤذي المشهد الإبداعي المحلي أكثر مما يخدمه. يأتي وسط هذه المعمعة صوت سلطان ليكتب بحساسية ووعي نصوصاً متنوعة، تتراوح بين القصيرة والقصيرة جداً، وما يمكن أن يسمى شذرات قصة، تحوي أفكاراً، تقول كل شيء في سطر واحد. هكذا براعة لا يمتلكها إلا كاتب يمكن أن يجلس في يوم ليكتب قصة طويلة، تستقر في فئة الرواية، لتقدم أدباً حقيقياً، يستحق أن تمد يدك أنت كقارئ إليه من على رف مكتبه، وتجلس لتقرأه بمتعة خاصة. أتساءل لماذا لم أعرف عن سلطان من قبل؟ أين الجهات التي من المفترض أن تقدم الكاتب الإماراتي؟ كيف لا نعرف بعضنا بعضاً؟ هل هو تقصير من الكاتب كفرد أم من الجهات المعنية مثل اتحاد الكتاب أو وزارة وهيئات الثقافة؟ أين الأمسيات وجلسات مناقشة الكتب الصادرة حديثاً؟. أتذكر حين شاركت في معرض بازل بسويسرا قبل ثلاث سنين سألني بعض الصحفيين الأجانب المتابعين كما يبدو للمشهد الإبداعي المحلي أكثر مني عن ابتسام المعلا وروضة البلوشي، وإن كنا نلتقي كثيراً، واندهشوا حين قلت إنني في الواقع لم أحظ بفرصة اللقاء بأي منهما. أين نلتقي؟ من يجمعنا؟ كيف؟ تغيب المجهودات الفردية في خضم ظروف وارتباطات الحياة اليومية، فمن يخلق المناخ الثقافي اللائق؟. صحيح أن الإبداع مهمة فردية في النهاية ولكن هذه المهام تحتاج من يسلط عليها الضوء كي تجد طريقها لمكانها الطبيعي بين يدي القارئ، وإلا فإنها تنتهي في عتمة مخازن دور النشر. في نصه الخصب المعنون بـ «الصفحة 79 من مذكراتي»، والذي يحمل عنوان المجموعة الثانية يكتب سلطان: «النهاية الغريبة لزواج عمي. رواية الجميلات النائمات. طريقة أخي في كلامه. تذكرة السينما المزورة. الاختراع الغبي لبائع الخضراوات. لوحة بيكاسو الممنوعة. جاري العجوز وسائقه الأهبل. قولوني الوفي. جمع كلمة أخطبوط. طبيب أسناني الذي لا يُبصر جيداً. مغامرات ابنة جيراني. الصفحة 79 من مذكراتي.. كلها لم تفلح في تشتيت تفكيري فيك». وأتساءل كيف لم يكتب هكذا قلم الرواية بعد؟ ما الذي يشغلنا عن الرواية؟ كيف لا توجد رواية إماراتية حتى الآن تنافس بقوة في المشهد الإبداعي العربي؟ أسئلة ربما تتبنى تداولها ومحاولة الإجابة عليها الجائزة المستحدثة مؤخراً للرواية الإماراتية. حتى ذلك الحين الأكيد أن على كل قلم يستشعر توتر الكتابة وأرقها أن يعي مسؤوليته المباشرة عن تقديم أدب إماراتي يمثلنا بشكلٍ واعٍ وحقيقي. Mariam_alsaedi@hotmail.com