وقفت أتأمل بانبهار الصواعد والهوابط في مغارة «جعيتا» اللبنانية، وإذا بي أسمع صوتاً آلف لهجته الخليجية يتساءل بالقرب مني: «شو فيه في الطابق الثاني؟» فألتفت لأجد شابة تشير إلى أعلى ولا تنظر إلى أحد، فبادرت بكل رحابة لأجيبها، وكنت قد نزلت من الطابق العلوي: ستجدين هذه الأشكال نفسها ولكن بتفاصيل أكثر. فإذا بالشابة تصد عني بكل غضب لتلتفت متحدثة للرجل الذي ظهر فجأة بجوارها قائلة: «ويييه.. هالأشكال ورانا ورانا»! ??? في انتظار المصعد في أحد فنادق مدن شرق آسيا، فإذا بطفلتين تشبهانني تقفان، فهممت بالترحيب بهما والابتسام لهما، ولكنهما لم تبديا أي استجابة، فشككت في أنني أخطأت في جنسيتهما، وفي غضون ثوانٍ أقبل والدا الطفلتين اللذين تأكدت أنهما من جنسيتي، وعلى الرغم من أنهما المقبلان، فإنهما لم يلقيا التحية، وما إن فُتح المصعد حتى صعدا بكل تجهمٍ. فهمت وقتها لماذا لم ترد الصغيرتان التحية، إنهما لم تعتادا أن يلقيها والداهما. ??? تدخل أحد المحال التجارية في مدينة أوروبية جميلة، فتجد بني جنسك، فتفرح لوجود وجوه تشبهك، فتلقي تحية الإسلام التي علمونا إياها منذ كنا صغاراً، ولكن الوجوه تصر على تجاهل تحيتك وبشاشتك، ولا تسمع رداً لتحية وددت من كل قلبك أن تكون رسالة حب تخبرهم فيها بأنك سعيد برؤيتهم! ??? تعبر أحد أشهر شوارع باريس لتكتشف شيئاً مختلفاً يمنحك متعة وخبرة مضافة، فإذا بوجوه من بني جلدتك لا تشبه نفسها، متصنعة، متعمدة أن تظهر بما ترتديه من ملابس وحقائب وما تركبه من سيارات بتكلف استعراضي لا تخطئه عين! ??? تحضر لقاءً يضم مجموعة من الأصدقاء والمعارف، يتحدثون عن السفر، أغلبهم يحذرك من السفر لهذا المكان أو ذاك في توقيت معين، والسبب: «مليان عرب وخليجيين»! ??? أسافر منذ سنوات، أتأمل عمار البلاد وتصرفات العباد، وفي كل مرة أعود محملة بصور كثيرة لأماكن من هناك وقفت أمامها مبهورة بصنع الخالق عز وجل وإعجازه في خلقه الذي صنع وأبدع، كما أعود أيضاً بقليل من المواقف المؤلمة من صنع بشر هناك، ولكنهم من هنا، من بني جلدتي؛ هي قليلة، ولكنها تبقى في الذاكرة، متربعة بحسرة في مساحة، تحمل الكثير من علامات التعجب والاستفهام عن سبب هذا السلوك أو ذاك، عن تلك التصرفات التي لا تشبه ما تعلمناه وألفناه واعتقدنا به دينياً واجتماعياً. إن كنت مسافراً أو تنوي السفر وقرأت هذه السطور، حاول بصدق ألا تكون نموذجاً يشبهها، تصرف طبيعياً وببساطة تشبه ما يوصينا به ديننا، أفش السلام، واجعل الابتسامة عنواناً لك ولوطنك ولدينك. قد لا يذكرك الكثيرون ممن تمر عليهم، ولكنك ستمنحهم لحظات جميلة، وهذا بالتأكيد أفضل من أن تبقى في ذاكرتهم في مكان قصي.. ولكن بلون باهت مزعج. als.almenhaly@admedia.ae