اليوم وبعد كل هذا التبدل والترهل، والتعطل والتبعثر والتعثر والتجبر، والتفتر والتحدر، هل نستطيع أن نقول إن عالمنا الإسلامي سيكون قدوة للآخرين في السلوك، والمنجز الحضاري.بالطبع لا .. لأن ما يتم إنتاجه من عنف ونسف وخسف وكسف وشظف وتلظي وتشطي، لا يبشر بخير، ولا يمكن أن يبني حضارة يقتدى بها، ولا علاقة يرتجى منها الخير .. ما يجري في الوطن العربي مرسوم له من قبل دوائر ماسونية نورانية ارتبطت بالشعار الإسلامي، كوسيلة وصيلة لإسقاط الثوابت الإسلامية أولاً ثم للاستيلاء على وجدان الإنسان العربي، وبالتالي الذهاب به نحو مسارات أشبه بالانفجارات الكونية الرهيبة.
رافعو الشعار الإسلامي، اختطفوا الإسلام وسماحته، في غفلة من الزمن، وفي غفوة وغياب للمرجعية الإسلامية التي تستطيع أن تواجه هذا الهذيان والغثيان ودرء الأخطار عن الأوطان.
نحن اليوم نعيش مرحلة ما بعد الفراغ العقائدي، نعيش حالة الوهم والغم والسقم، بعدما تاهت البوصلة، واستدعى من رفعوا شعار الإسلام السياسي، عصر الدولة الإسلامية في الأندلس وتحويل الكيان الإسلامي الواحد إلى دويلات متفرقة، وإلى طرائق ممزّقة، وإلى طرائق تعيث في الهشيم، هضما وقضماً ولجماً ولطماً، نحن اليوم نعيش حياة الموت السريري، ما يجعل الحكماء يحتارون وأصحاب الفطنة يصابون بالأدواء جراء هذا الدوران المريع حول النفس بدون جدوى.
المشكلة أنه من يتكلّم عن الإسلام السياسي، وكأنه يصيب الذات الإلهية في مقتل، ما يجعل الحيرة تكبر، والدهشة تتضخم، والعقل يقف عند نقطة الصفر مشلولاً أمام هذا الطوفان المدمر .. فأرباب الإسلام السياسي اغتالوا الحقيقة ومشوا في جنازتها، معلنين العصيان على الحق، منصبين أنفسهم أنهم النخب التي يجب أن تقود المجتمعات وللأسف هذه النخب عندما امتطت خيل القيادة، باءت كل شعاراتها بالفشل الذريع لأنها شعارات تقاطعت مع الواقع بزوايا حادة، وجارحة، وتحولت المجتمعات على أيديهم لمجرد قبائل وفصائل متناحرة، زاخرة بالعنف والأنا المتورمة والذات المتقيحة، والعقل الذي ألبس الكون جلباب البؤس والرجس.
أما بعد، فإن الاستمرار بهذا الخداع البصري، يجعل من الآخر، نافراً متنفراً ضد خطر لا يقبل قسمة الرغيف إلى نصفين. متحفزاً لمواجهة غليان القدور المكتومة والأواني المثلومة والمشاعر المكلومة، ولا جدوى من أي حبوب مهدئة لأن الداء العضال قد انتشر وتفشى حتى ضاقت به الأزقة والميادين، ولن يحرر الإنسان من وباء الوجدان المريض إلا حالة واحدة .. استيقاظ ذوي الحكمة، وصحوة العقلاء وتحملهم المسؤولية الوطنية والدينية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإعادة ترتيب الأحجار المبعثرة .. نعم نحن اليوم بحاجة إلى تشذيب الشجرة من أوراقها الصفراء لنعيد للحقل الإنساني بريقة وخضرته.


Uae88999@gmail.com