ليس من حق أحد أن "يعكنن" علينا هذا اليوم. ليس من شرع أو من وضع يجيز لأعداء الفرح أن يبثوا أحزانهم القارة في يومنا هذا. إنه يوم العيد، أو "يوم الجوائز" كما أسماه الرسول صلى الله عليه وسلم. ولكل فرد فرحه بعيده. قال ابن الأعرابي: "سمّي عيدا، لأنه يعود كل سنة بفرح متجدد" (نقله الأزهري في التهذيب). لكل جماعة وأمة عيدها، الذي تحتفل به، ويميّزها عن الآخرين. قال تعال: "لكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا" (الحج:34)، روى ابن جرير في تفسيره عن ابن عبّاس قال: (منسكًا أي: عيدًا). وكانت جوائزنا صبيحة كل عيد بهية رغم تواضعها: ملابس جديدة، ودمى محببة، وحلوى كثيرة، وقروش قليلة تطير قبل أن تأتي. يكفي مثل هذا الفرح، الذي يعمر قلوب الصغار والكبار، أن يكون رصيدهم للعام كله، أو حتى حلول العيد التالي. لا يطلب البسطاء أكثر من ذلك. يكفيهم القليل من الفرح. يتعوذون من شر كثيره. يتجاهلون في يوم العيد مواطن الألم والوجع. يتجنبون بواعث الضغينة، والحقد، وسوء النية والطوية. إنه يوم العيد. يجهر المؤمنون بطلب المغفرة لهم ولأرحامهم، وللناس أجمعين. لكن محترفي النكد فتّاكون بالأعياد وبالمعيّدين. يبدو أن مناسبات الفرح تزوّدهم بطاقة استثنائية لتعكير الأمزجة، وبث "العكننة" في الرؤوس والصدور. بعضهم يعتبر أن مزاجه السوداوي هو وباء لا يطيب إلا بنشره. آخرون، ممن عجنهم الغل وخبزهم الغضب، يمتلكون خبرة فائقة في اعتقال أي لحظة بهجة تتسرب إلى محيطهم. فئة ثالثة تعتقد أنها تقوم بمهمة مقدسة في حراسة الصرامة والعبوس وتقطيب الجبين. هؤلاء وغيرهم يتأسون في نكرانهم للعيد بقصيدة أبو الطيب المتنبي الذائعة، التي قالها يوم عيد الأضحى، وهو فار من مصر، فنعى فيها حظه الشخصي، وموقفه السياسي، دون أن يخطر بباله أنه ينعى على المعيّدين عيدهم: عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ إنه يوم عيد إذن، وليس من حق أحد أن "يعكنن" علينا فرحة هذا العيد. ليس من حق متأبّط لسلاحه الفتّاك في سوريا، أن يضيّع بهجة العيد بقصف عشوائي فوق رؤوس الآمنين، أو بمجزرة تحصد أرواح الأبرياء من دنس السياسة وإثم الحرب. ليس من حق مطالب بسلطة، أو حاجب لها في مصر، أن يطفئ فوانيس الأطفال لأن قوم رابع العدوية لا يأمنون شر خصومهم، ولا يعصمون أنفسهم من الشرور. ليس من حق ميليشيا ليبية مستحدثة أن تقلب حال المدن، أسافلها أعاليها، فقط لأنها تملك السلاح، وأنها قادرة على استخدامه. ليس من حق كيانات موحشة أو متوحشة في العراق، أن تزرع عشرات السيارات المفخخة في الأسواق والساحات، لكي تعبر عن رأيها. ليس من حق فرقاء نزاع يتسم بميوعة سياسية وأمنية في لبنان، أو تونس، أو اليمن.. أو.. أو.. أن يكدروا عيش البلاد والعباد، فقط لأنها الطريقة الوحيدة التي تبقيهم على قيد الوجود. ليس من حق أي طرف فلسطيني، أن يمعن في تقطيع أوصال وطن، وتقسيمه ما بين ضفة وقطاع، قبل أن يسترده من الغاصب.. فقط لأن الغاصب أهون عليه من الشريك. إنه العيد، يعود علينا بهذه الحال، ومع ذلك نقول: كل عام وأنتم بخير. عادل علي adelk58@hotmail.com