بقيت ثلاثة أدوار في موشحة الششتري التي يرسم فيها مدارج الصعود الصوفي على اعتبار أن الناس خيالات زائلة، يجب أن تمعن النظر في الخالق سبحانه فهو ماسك الصور: يُلبسها لُبسه المنوط/ واللَّبس في كل لابسِ نيطت بأطرافها خيوط/ تخفى على الإنس إذ نسي تذكارها دونه شروط/ أولها ترك الأنفس فذكرها أول الْكَمال/ حيث اغتدى آخر النظر ما الناس إلا كما الخيال/ فانظر إلى ماسك الصور فالأجساد مجرد ملبس للأرواح، ومن شأن الملبس أن يوهم ويجعل الأمور ملتبسة، وقد تعلقت به خيوط خافية على الإنسان الذي صيغ اسمه من النسيان، ويرتبط التذكر بعدد من الشروط؛ أولها ترك النفس على فطرتها الأولى حتى تتذكر عهدها في البرزخ وهو أول مدارج الكمال. وهي لا تصل إليه إلا بمداومة النظر والتأمل في طبيعتها باعتبارها مجرد خيال بعيدا عن الحقيقة، وضرورة سعيها الدائب للوصول إلى هذه الحقيقة التي تعتبر مركزاً لثقل في الموقف، مثلما يأتي بيت اللازمة المكررة ليؤكد مركز القصيدة وفحوى دلالتها. جُز ظاهر الكائنات يظهر/ ما باطن الأمر ما خَفَى تلك ستور بها تستّر/ عرفوا إذ كنّ أحرفا جليت العين من تبصر/ بها فقد فاق من غفا حُد صاح عن حالة المحال/ فالصحو أولى بمن سكر ما النَّاس إِلا كما الخيال/ فانظر إلى ماسك الصور يقول: تجاوز عن الظاهر تبدو لك بواطن الأمور الخافية عليك، فليست هذه الظواهر سوى ستور تحجب الحقائق عن ناظريك، مذ كنت في ضمير الغيب مجرد أحرف لفعل الكينونة، فمن تجلت بصيرته وأدرك حقيقتها فقد أفاق من الغفوة. وينبغي على المرء حينئذ أن يحيد عن الفرض المحال وهو اعتبار ظواهر الكائنات هي كل شيء، لأن فتنة الحياة جديرة بأن تأخذ القوم بنشوتها فلا يتاح لهم الصحو من سكرتها. إذ إنهم في نهاية الأمر مجرد أخيلة عابرة في هذه الدنيا، فالأحرى بهم أن يظلوا وعيونهم مشدودة دوماً لماسك الصور. القلب غيب والرب غيب/ والغيب للغيب ينسبُ مه يا أخا القشر ثَمَّ لُبَّ/ فاطلبه فاللب يطلب ودونه للسقاة شربُ/ يشدو الذي منه يشرب دع ما يقال من المحال/ مما خفى أو مما ظهر ما الناس إلا كما الخيال/ فانظر إلى ماسك الصور الشرط الأخير في التذكر أنه لا يكون إلا بالقلب، لأن القوة العرفانية الكامنة في القلب هي من الأمور الغيبية، والذات الإلهية ذروة الغيبيات. أما الإنسان الشغوف بالقشور فعليه أن يدرك أن لكل قشر لبا هو الجدير بأن يطلب، وهو المشرب الذي يصلح للاستسقاء. وعليه في نهاية المطاف أن يترك وراءه ما دون ذلك من الأشياء المستحيلة. لأن الناس في المحصلة الأخيرة مجرد أخيلة لا يمكن التشبث بها.