انتبهت المناهج النقدية الحديثة لما تحمله الأسماء في الأعمال الأدبية من دلالة تضيف الكثير للمدلول العام للعمل. ولئن ظلت التسميات تُدرس كإطارت أو موجهات للقراءة فإنها بالمقابل تمد ظلالها المعنوية ومحصولها الدلالي على كلية العمل وعناصره؛ كالحدث أوالفعل السردي والفضاء المكاني والزماني. ولقد مر طور على الكتابة القصصية والروائية التقليدية يتبرأ فيها الكاتب من أي مدلول قد يوحي به الاسم في العمل الذي تتصدره عبارة أن أي تشابه بين التسمية في الرواية والواقع هو محض صدفة، وأن الأسماء خيالية لا مقابل لها في الواقع، وليس لوجودها النصي تطابق مع الخارج. وأذكر أن نجيب محفوظ صرح في إحدى المقابلات بأنه يستقي الأسماء عشوائياً من دليل الهاتف غالبا. لكن ذلك التصريح لا يلزمنا عند القراءة، لأن دراسة التسميات والوقوف عندها كدوال، تسهم في الكشف عن بعض جوانب الخطاب وهويته، كما تنعكس على بنية النص. فقد يكتفي الكتّاب أحياناً بأسماء ذات إحالات عامة للمكان أو المهنة أو الطبقة التي أوصى أرسطو بمراعاتها في تسمية أبطال التراجيديا. لكن السرديات الحديثة تتنبه إلى الأسماء سيميائياً بكونها إشارات محملة بالدلالة حتى في حال غيابها أو السكوت عنها نصياً فهي جزء من قصد المؤلف، وإحدى عتبات النص وموجهات قراءته وأعراف أو كيفيات تلقيه. وبعودة لتصريح نجيب محفوظ نجد ما ينقض دفاعه عن التسميات المبرَّأة وخلوها من الدلالات، فحين احتدم الجدل حول "أولاد حارتنا" واعترض المتشددون عليها، كانت التسميات أبرز حججهم احتكاماً لخطابهم المتخلف، ما تسبب في توقف نشرها ومنعها في مصر، ومن تسمياته المدروسة بعناية قصته "حنظل والعسكري" حيث وضع لشخصية المتشرد اسم (حنظل) بكل ما يحمله من دلالة على البؤس والشقاء، ولم يعط اسما للعسكري الذي يقبض عليه، كي يدل على سلطة كاملة وليس فردا فاعلا في النص. وكذلك فعل الطيب صالح في "عرس الزين" وما تكتنز به الأسماء من دلالات، بدءا بالزين نفسه الذي تنحاز له الرواية رغم عيوبه الجسدية والعقلية، وتقابله بذلك الفتاة (نعمة) التي سترضاه زوجا دون سواه، وتفلح في تهدئة جنونه كنعمة هبطت عليه. وفي رواية إميل حبيبي "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد ابو النحس المتشائل" يجتمع في الاسم أكثر من دال قوي الدلالة على المفارقة والنقد الساخر في الرواية؛ فصار المتشائل أو حامل الضدين رمزا شائعا. أكتب هذه الاستطرادات عقب قراءة الثلاثية الروائية لبرهان شاوي، حيث يحمل الرجال كلهم في العمل اسم آدم وتحمل النساء اسم حواء في إحالة إلى الخلق وما ظل من الطبيعة البشرية. وكأننا نستعيد ما كان يعتقده الإنسان الأول بصدد الاسم ومطابقته للمسمى، فإذا أراد تسمية الحيوان رسم شكله، وإذا ذكر عدوا لعنه أو سكت عنه خوفا، في خضوع لما عرف في الدراسات الأنثروبولوجية بمبدأ الاسم.