لماذا تنساق بعض النساء وراء مواقع الدردشة؟ سألتني الصحفية بكثير من الحيادية وكأن الأمر لا يعنيها، كأن جنس النساء كله لا يعنيها، فقط قدمت لموضوعها هذا بقصة رجل اتصل بها شاكيا إدمان زوجته لمواقع ومنتديات الدردشة على شبكة الإنترنت، هل يعني ذلك أن الأمر أصبح بمثابة الظاهرة التي تحتاج بحثا صحفيا لمجرد أن رجلا ضاق ذرعا بقضاء زوجته وقتا أكثر مما يجب - من وجهة نظره - أمام شاشة الحاسوب!
في مقابل انسياق النساء وراء بعض الممارسات كإدمان التسوق، وقضاء أوقات كثيرة في التعاطي مع مواقع التواصل والدردشة الذي يعتبر البديل أو النسخة الأحدث لممارسة قضاء الوقت في الدردشة عبر الهاتف، فإن السادة الرجال لا يخلون من ممارسات شبيهة اعتادوا عليها كتمضية ساعات طويلة في صحبة الأصدقاء على المقاهي وفي المجالس مثلا، وكإصرارهم على السفر بمفردهم بعيدا عن الأسرة بحجة البحث عن الهدوء بعيدا عن إزعاجات الصغار، وبالرغم من أنه سبب غير منطقي ويحمل في طياته شبهات لا تحصى أحيانا، إلا أن كثيراً من النساء يتظاهرن بالغباء والسذاجة وتصديق هذا العذر تجنبا للمشاكل، فتغض المرأة الطرف هنا لتسير السفينة هناك، فالحياة بحر متلاطم!
بالنسبة للنساء ومواقع الدردشة، سبب الانسياق أو الإدمان يدفعنا للتساؤل عن الرجال ومواقع التواصل كتويتر والفيسبوك؟ فإن قلنا إن هذه المواقع أصبحت واحدة من مظاهر الحياة الاعتيادية وهي إفراز طبيعي لمستوى الحرية في المجتمع، ولتطور وسائل التقنية وثورة المعلومات جاز لنا إذن أن نعطي العذر نفسه للنساء حيث في دهاليز شبكة الإنترنت كل يبحث عما يلبي احتياجاته وعما يناسب اهتماماته ومستوى ثقافته، لكن الصحفية قاطعتني بوصف مواقع الدردشة بأنها مواقع “تافهة” أو مواقع “كلام فاضي” ومع تحفظي على هذه الأوصاف بالمطلق إلا أنني لا أرى هذه الأوصاف بعيدة عن كثير مما أجده على تويتر وفيسبوك وغيرها من المواقع، لا شيء هنا رصين بالمطلق ونبيل بالمطلق وأخلاقي بالكلية، يختلط الغث بالثمين في كل نقطة ومنطقة نتحرك فيها في هذا العالم وفي دهاليزه!
ليس هناك ممارسة تافهة فقط لأن النساء يقمن بها، فهذا وصف يمكن أخذه على محمل التمييز العنصري ضد المرأة، هناك مواقع كثيرة لا أخلاقية، وتافهة، ومنحرفة، ومتعارضة مع أصل الدين والعقيدة والقيم، وهناك أشخاص تافهون جدا من الرجال والنساء، يتعاطون معها، ذلك أمر غير مفاجئ إلا إذا تفاجأنا أن هناك شرا وانحرافا على الأرض!
في النهاية حتى التفاهات من وجهة نظر البعض يراها آخرون نوعا من التسلية أو تزجية وقت الفراغ، والذين يهتمون بالطهي والمطبخ لا يرون في مواقع الطهي تفاهة كأولئك الذين يأكلون الكتب خلال الوجبات الثلاث، أما مواقع الزينة والأزياء وعرض المشاكل فهي تستقطب جمهورا يعتقد أن اهتماماته لا تخرج عن ذلك، وهنا فإنه من الصعب تحديد ذائقة الآخرين، هناك سلم اهتمامات وثقافة اجتماعية وأدوار تنشئة وتربية لم نمر بها جميعا بالتساوي، المطلوب من النساء أن يخففن انسياقهن وراء مواقع الدردشة ويعطين اهتماما بأخبار حلف الناتو بعض الشيء والمطلوب من الرجال أن يغلقوا مجالس تويتر قليلا ويدخلوا إلى صالات بيوتهم بعض الوقت، فالعدالة مطلوبة!


ayya-222@hotmail.com