معظم الأعمال الإبداعية التي نطالعها هذه الأيام والتي يكتبها روائيون وكتاب قصة ومسرحيون عرب ترصد الواقع العربي بكل إشكالاته الراهنة وما أكثرها وما أشدها التباساً، موضوعات الروايات والمسلسلات تراوح بين السياسة والدين والهوة السحيقة بينهما أو الثقوب السوداء الفاصلة بين الموضوعات الحياتية العربية الكبرى التي هي الدين والسياسة والسلطة، إن هذه الموضوعات لا تذهب بعيداً عن سرد حكايات الخوف والأسى والبطش والظلم، ففي رواية جديدة بعنوان( لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة ) للسوري خالد خليفة يكتب الناشر عنها ما يلي « في هذا العمل يحاول الكاتب أن يقول كل ما هو مسكوت عنه في حياتنا العربية، إنها رواية عن الأسى والخوف والموت الإنساني» فهل بقي شيء مسكوت عنه بعد؟
في روايات أخرى تنشر هذه الأيام وستنشر لاحقاً سنقرأ كثيراً جداً وسنغوص عميقاً جداً في حكايات الذين تمرغوا في البطش وعانوا رغبات الحرية والكرامة والمستقبل الأفضل، الرغبات التي يسميها بعض الكتاب بالرغبات القاتلة والمقتولة، فكل الأحلام تموت قبل أن تولد في بعض المجتمعات، بينما يتحول البشر إلى مجرد جثث تتحرك على سطح كبير يفترض أن اسمه المجتمع بينما اسمه الأجمل هو الوطن، هذه الكائنات التي ملأت العشوائيات وأحزمة الفقر ومدن الصفيح ومخيمات اللجوء والتي تحولت مع التقادم والنسيان إلى مجرد ركام في إحصاءات السكان هي التي امتلأت بالشراسة لاحقاً وحرقت الأخضر واليابس في المدن، فالإناء بما فيه ينضح !!
سيوثّق آخرون ذاكرة أجيال الهزيمة وانكسار الأحلام، وسيظل جيل كامل يجتر هذا الأسى الذي تطفح به الجغرافيا العربية اليوم، لن نقرأ روايات كثيرة حالمة ومتفائلة هذا، إذا أردنا أن نقرأ أدباً واقعياً، أما إذا انحاز المبدع إلى طبقيته أو جغرافيته أو طبقته الاجتماعية التي تسلسل منها ففي هذه الحالة فقط يمكن أن يكتب بعض الذين لم يعرفوا ولم يعيشوا ولم يختبروا الحياة في أحياء الفقر روايات متفائلة وحالمة، تتحدث عن الحب والمدن الجميلة والإنسان الذي تستغرقه أفكار فلسفية ومثالية وجمالية عالية جداً والتي تعتبر ترفاً فكرياً أو إبداعاً سريالياً بالنسبة لأدب الواقع الصادم!
اعتقد بأننا من ذلك الجيل الذي خبر الإبداع بجميع تجلياته وتوجهاته واهتماماته سنوات السبعينيات وقبلها، وكما قرأنا رائعة فيكتور هوجو البؤساء وروائع الأدب الروسي والإنجليزي، وكما قرأنا كافكا ونيتشه وكامو ورموز السوداوية، فإننا قرأنا أيضاً للشاعر الإسباني العظيم لوركا الذي وقف يتلقى رصاصات قاتليه ثابتاً يقذفونه بالموت بينما كان هو يقذفهم بالقصيدة وبالشعر، هكذا تكون الحياة، الموت حدث عابر فيها سرعان ما تنتصر على خرائبه، حتى وإن كان الحدث الأكثر ثباتاً ومنطقية أكثر من أي شيء آخر، إنه برغم كل الروايات والقصص التي خلدت أهوال ومآسي الحروب والديكتاتوريات والقتل والسجون، إلا أن أدب الجمال والحب كان منتصراً دوماً فالبقاء دائماً للإنسان المتطلع والحالم بالغد.
نحتاج أدباً متفائلاً، ينتصر على صراعات الواقع النتنة، ينتصر لقيم الخير، فإن لم ينحز لها تماماً فليوازن بينها وبين قيم الظلم والبطش والحرمان، يحتاج هذا الإنسان العربي بعد قرون من الشقاء والتعب أن يحظى بأدب متفائل وأن يحصل على واقع أفضل، مع يقيننا بأن الأدب مرآة الواقع وابنه الشرعي ! لكن بعض الأحلام لا تضر !


ayya-222@hotmail.com