شاهدت منذ عدة سنوات تسجيلاً لحفل تكريم أقيم للمغفور له الشيخ الشعراوي بحضور الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، لفتت الانتباه تلك الحركة التي قام بها الشيخ حينما وضع يده على كتف الرئيس مربتاً عليه بوقار وقائلاً” لن أقول لك سوى هذه الكلمات إن كنت قدرنا فليعنا الله عليك، وإن كنا قدرك فليعنك الله علينا “ ثم مضى بوقار عالم وهيبة متعفف عظيم، بينما كان الجميع يسعى بين يدي الرئيس فاعلا ما بوسعه لنيل الرضا، هذا هو الفرق بين عالم الدين الحقيقي وبين غيره من تجار الدين. في هذه الأيام ونحن نشهد اختلاط المفاهيم والحقائق والأدوار والوجوه، نتساءل عن الدين الحقيقي والعالم الحق فيمن يتصدرون المشهد الإعلامي ومواقع التواصل الاجتماعي باسم الدين، أين تتمركز قضية المصالح والعلاقات والانتماءات في المشهد الوعظي أو الديني بشكل عام ؟ فكم شخص تصدى للخطاب الوعظي لبعض الوقت ثم بدأ الهجوم ينهال عليه من كل الجهات وتحديداً من الإعلام الذي نصبه شيخاً بدون مقدمات فإذا به يبعده فجأة كما قربه فجأة، فتختفي برامجه ويصير هدفاً للهجوم عليه بتهم شتى بعضها يمس العقيدة ويمس بعضها الانتماء والسياسة، دون أن يعرف الناس ماذا حدث بالضبط ! فضاؤنا الإعلامي مقسوم كقالب الحلوى بين فريقين: أهل السياسة وأهل الدين، فمثلما للسياسة فضائيات وبرامج حوارية وتحليلية لا أول لها ولا آخر، ولها رموز ونجوم ومشاهير ، فإن للدين أيضاً فضائيات ونجوماً ومشاهير لهم أتباعهم ومعجبوهم وليس في الأمر أي خطأ إذا التزم الفريقان بشروط المجال الذي يتصدون له وبشروط المهنة التي يعملون ضمن مجالها والتي هي الإعلام هنا، لكن الواقع الذي نراه يقول أمراً آخر ، فلا أهل السياسة محترفون كما يجب وبعيدون عن الكيل بمكيالين ولا كثير من نجوم الدين هم بعيدون عن الأهواء ولعبة المصالح والصراعات ! في مسلسل “الداعية “ الذي يقوم ببطولته هاني سلامة، محاولة لفهم ظاهرة الدعاة الجدد، المحسوبين على تيارات الإسلام السياسي، والذين تجندهم فضائيات لا علاقة لها بالدين لتجني من ورائهم المزيد من أموال الإعلانات بغض النظر عن مستوى المهنية والحيادية التي يتمتعون بها، وحتى لا نسيء الفهم فإن ( الداعية ) في العمل يقصد به تلك النماذج المشوهة التي يعرضها المسلسل، دون أي تعدٍ إلى الصفة بالمطلق، فهو لا يقصد صنف الدعاة كلهم بطبيعة الحال، فقد قام ديننا الحنيف وانتشر ووصل إلى أصقاع الدنيا بفضل دعاة أجلاء كانوا وما زالوا يخرجون علينا في الإعلام، كما يجوبون الدنيا حاملين هذا الخير لكل الناس كما أمرهم الله دون أن يتقاتلوا لنيل الشهرة أو المزايدة على الدين خدمة لمصالح ضيقة ! لقد اشتغل البعض بالدين وحولوه إلى تجارة ونافسوا به أهل السياسة وأهل العلم وأهل الدين الحقيقي، بينما لا يمتون هم بصلة تذكر للسياسة أو الدين أو العلم، وهذا ما يكشفه المسلسل الذي يعري هذا النوع من المشتغلين بالدين والذين يعتبرونه وظيفة ومركزاً ووجاهة اجتماعية ومدخلاً للثراء و( البيزنس ) والشهرة وتوابعها، الأمر الذي يجعلهم يضعون قيم الدين كله على مذبح هذه الاعتبارات، دون أن يرف لهم جفن، خاصة أن هناك تجار دين وسياسة يصولون ويجولون في الساحة العربية بحثا عن هذه النماذج المشوهة نفسيا ليحققوا أغراضهم من خلال استقطابهم ونفخهم وفرضهم على الناس باسم الدين! ayya-222@hotmail.com