أجمعت الأمم كلها، على ذم البخل، وحمد الجود؛ كما أجمعوا على ذم الكذب وحمد الصدق. وقالوا: أفضل الجود، الجود بالمجهود. وحتى قالوا في جهد المقل، وفيمن أخرج الجهد وأعطى الكل. وحتى جعلوا لمن جاد بنفسه، فضيلة على من جاد بماله، فقال الفرزدق: على سـاعة لو كان في القـوم حاتـم على جوده ضنــت بـــه نفـس حاتم ولم يكن الفرزدق ليضرب المثل في هذا الموضع بكعب بن مامة، وقد جاد بحوبائه عند المصافنة. فما رأينا عربياً سفه حلم حاتم لجوده بجميع ماله، ولا رأينا أحداً منهم سفه حلم كعب على جوده بنفسه، بل جعلوا ذلك من كعب لإياد مفخراً. وجعلوا ذلك من حاتم طيئ مأثرة لقحطان على عدنان، ثم للعرب على العجم، ثم لسكان جزيرة العرب ولأهل تلك البرية على سائر الجزائر والترب. وكان كسرى يقول: عليكم بأهل السخاء والشجاعة، فإنهم أهل حسن ظن بالله، ولو أن أهل البخل، لم يدخل عليهم من ضر بخلهم، ومذمة الناس لهم، وإطباق القلوب على بغضهم، إلا سوء ظنهم بربهم في الخلف، لكان عظيما، أخذه محمود الوراق فقال: من ظن بالله خيــرا جــاد مبتدئــا والبخـل من سـوء ظن الـمرء باللـه وقيل لأبي عقيل البليغ العراقي: كيف رأيت مروان بن الحكم عند طلب الحاجة إليه؟ قال: رأيت رغبته في الشكر، وحاجته إلى قضاء الحاجة، أشد من حاجة صاحبها. وقال زياد: كفى بالبخيل عارا، أن اسمه لم يقع في حمد قط. قال الوليد بن عبد الرحمن السقاء برملة: بينا أنا ذات ليلة في منزلي، إذ طرق الباب طارق، فقلت من طرق الباب ؟ فأنشأ يقول: أنا الـــذي ألبســــني ســـــــيدي لمـــا تعـريـــت لـبــاس الـــــودادِ فصـــــرت لا آوي إلـــى مؤنــــس إلاّ إلـــى مالـــك رقّ العبـــــــــــادِ فخرجت فإذا أنا بغلام ذاهب العقل، هائم مجنون مستوفز، فدخل الدار وقال: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، فعلمت أنه جائع، فقدمت إليه شيئاً فأكل وشرب، ثم وثب إلى الباب وأنشأ يقول: عليك اتكالي لا على النــاس كلهـم وأنــــت بحالــي عالـــــم لا تعلّـــم وأقسمت أني كلما جعـت ســــيدي سنفتح ستفتح لي باباً فأُسقى وأُطعم قال الوليد السقاء: فقلت له توصيني بوصية فقال: الــــزم الخــــوف مـــع الحـــــــزن وتـقــــــــوى اللّـــــه فـــأربــــــحُ وذر الــدنـيــــــــا مـــــــــع الأخـ ـرى فتقـــــــــوى اللّـــــه أرجــــحُ فاجتهــــــد فـــي ظلمــــــة الليـ ـل إذا مـا الليــــــل أجنـــــــــــــحُ واســـــــــأل اللّــــــه ذنوبـــــــك فلعــــــــلّ اللّـــــــه يصفـــــــــحُ يقول الشاعر سامي البارودي: يلومونَني في الجـودِ ، والجـودُ مُزنَـةٌ إذا هملَت في موضِـعٍ نبـتَ الشُّــكرُ إذا المرءُ لم ينفِقْ مِنَ المالِ وُسعَ ما دَعتهُ المَعالِـي فالثَّــراءُ هُـوَ الفقــرُ Esmaiel.Hasan@admedia.ae