الفرجة اليومية على أوضاعنا السياسية في الرقعة العربية التي يوفرها لنا التلفزيون بنقل حي ومباشر، تحتاج منا انتباها وتوضيحا مبدئيا من جانبين: أولا فإن ما نراه على الشاشات ليس هو الحالة الحقيقية، أو هو ليس كل المشهد بطبيعة الحال، نحن نرى جزءا من الصورة وليس كل الصورة، فقط لأن بعض المناطق تمثل رمزية معينة، وبعضها يلخص دلالات موقف عام، لكننا حتما إذا ذهبنا للقاهرة فإن بإمكاننا أن نعيش فيها ونتنقل ونستمتع ونتجنب التحرير ورابعة ونعود دون أن نتقاطع مع الحدث أو الصورة السياسية التلفزيونية ، وهذا ليس نفيا للواقع أو موقفا مضادا له ولكن محاولة لقياس المسافة بين نقطتين بشكل دقيق . أما الأمر الثاني الذي علينا أن ننتبه له بوعي فهو هذه الفرجوية التي صرنا عليها كشعوب عربية أو كأمة بأكملها، فكأمة نعيش كأننا في غرفة كبيرة مراقبة بكل أجهزة التنصت ومرصودة من جميع الزوايا بآلاف الكاميرات، والخطورة في ذلك أن كل كاميرا من هذه الكاميرات معنية بالتقاط جزء مما يحدث في الغرفة الكبيرة، فمن وجهة نظر أصحاب الكاميرا فليس مطلوبا الإحاطة بتفاصيل كل المشهد، المطلوب هو التركيز على تفصيلة معينة ذات دلالة أو ذات أهمية أو ذات تداعٍ معين، ومن ثم الحديث عنها باستمرار وتكرارها ليل نهار، ف(أن تعرف أكثر) على طريقة بعض الفضائيات، يحتمل أن تكذب أكثر، وتزور أكثر، وتنحاز أكثر! حالة الفرجة الممنهجة والمؤدلجة بمنطق المصالح، والتي نصبح ونمسي عليها، أسست لواقع آخر أيضا هو نزع حالة الخصوصية وتحويل شعوب بأكملها إلى موضوع عام مستباح، إنه بمقدار ما يتم تحويلك إلى خبر يومي وصورة ثابتة في جميع الفضائيات تكون بالفعل قد فقدت حقك في الخصوصية والحياة الشخصية، ومع تزايد سطوة فكرة الإعلام الحديث فإن أخلاقيات الإعلام أصبحت في مهب الريح، فأن تلقي أجهزة الشرطة القبض على شخص ما- على سبيل المثال - لا يعني ذلك أكثر من كونه متهما والمتهم بحسب القواعد القانونية بريء حتى يدان ويصدر بحقه حكم قضائي نهائي، لا يجوز بأي حال تحويله إلى صورة مسترقة ومتداولة عبر أفلام تم تصويرها بدون وجه حق بواسطة أجهزة الهاتف! إن استباحتنا كمجتمعات وكأفراد وسط معمعة التحولات الدراماتيكية التي نعيشها اليوم ووسط حالة الفوضى الأمنية في معظم المجتمعات، تضع معظم بناءاتنا الإعلامية والأخلاقية والمهنية والثقافية على محك المساءلة والمراجعة، ومع صعوبة المراجعة والتأصيل في هذه الأوضاع، إلا أن اعتبار ما يحدث طبيعي لأن مثله حدث منذ قرون في فرنسا وفي بريطانيا، وتحميله على رافعة الحرية والحقوق التي هي بريئة مما يحدث أمر ليس من السهل تقبله أخلاقيا ومنطقيا كذلك، وللأسف فإن كثير من صحفيينا أصبحوا بسبب ما يعايشونه أقل التفاتاً إلى المعايير المهنية في أدائهم الصحفي اليومي! ما نعيشه هو حالة فوضى عارمة واضحة وممنهجة، بهدف تدمير الكثير مما عندنا، البعض يحسب أرباحه الفلكية التي سيجنيها في فترة ما بعد تجفيف آثار الطوفان، هناك شركات عملاقة تعد خطط ومشاريع بناء عملاقة، وهناك ثروات ستنهب ومدن ستظهر وسياسات كاملة سيعاد هيكلتها، نحن في قلب مملكة الفوضى هذه، والتي تدار لنا وبنا ولسرقتنا، بينما كل ما نفعله هو أن نمعن في الفرجة! . عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com