شفيفا هادئا، كانت تهطل، لا عصف يجيء بك إلينا، ولا طوفان يزعزع ثباتنا.. كأنك عزفٌ لترنيمة السحب.. كم نحن في انتظارك.. الجذر عطشان والغصن صوّحُه اليباس، وقلوبنا أسرى يطوّحها التمني، ويطوّقها على غير ما تهوى الجفاف! وعد الشتاء قلنا فأخلفت.. وعد المواسم ربما فخذلت موسمنا.. كنا صغارا في رهافتنا نزق الطفولة حين تهطل.. هرج أقدامنا عند الهطول، ونشوة على وقع الرذاذ. عزف على سقوف الدار وقعك كان. ونحن من رهبة يعصى علينا النوم وأن استرقنا غفوة أيقظتنا بطرقك الرتيب. كنا نخاتل الطاعة، ونقترف العصيان كي نحتفي باللعب في ضحالة الغدران. كم مرة نقشنا هطولك على دفاترنا، وجمعنا قطراتك من ثقوب السقوف وخيانة الجدران. كان لوقع القطرات على الأواني عزف منفرد رتيب يقض غفو طفولتنا ويطارد الأحلام. حينها قلنا بدائية منازلنا إذ ترشح الماء ويثقبها المطر الطفيف.. وبدائية شوارعنا إذ تجمع الماء انهارا وغدرانا ويغرق خطونا فيها رذاذ الهطول. وإن جئتنا اليوم سنحتفي بك كما كنا صغاراً، ونغرق في شبر مائك كما كنا صغاراً.. لكننا سنئن من حسرة.. بدائية منازلنا رغم فخامتها واسمنتها العازل.. وبدائية شوارعنا في سمتها المعجون بالإسفلت! نشوى سنرقبك من وراء الزجاج ونرقب الغصن مبتهجا والأوراق في التماعتها، والجذر يشربك في لهفة الظمآن. لا عصفا تجيء إلينا ولا طوفان يجرفنا. كأنك الرأفة تحنو على قيظنا، أو أنك الرحمة ترفو سرائرنا، أو أنك الماء الذي من سره جئنا. كمائنا نصبناها لك كي نجمعك لمواسم الجفاف الطويلة، لأنك الزلال والملح لظى شفاهنا وأسوارنا. ابتكرنا لك المصائد وحرثنا لك الطين وشهوة البذار، فخذلتنا، كأنما الغدر طبعك في مواسمنا، والبحار خؤونة صارت وهي التي رحم الولادة ومنبع الهطول، لكنما الرياح لعب الطبيعة إذ تنأى بك حينا، وحينا تراوغك وتطوح بالسحب إلى غير تربتنا. لماذا علينا انتظارك كلما جاء الشتاء؟ ظمآنة تضاريسنا، وظمأى قلوبنا إلى غيث ينبتنا لنخصب الحب والورد وننتقي أقدارنا. لا ريح تسير بنا إلى ما نشتهي، ولا مطر يخاتلنا على غير موعد ولا نحن الجفاف في رغائبنا. لكننا سنهمس:ربما تأتي اللاريح بما تشتهي السحب! ??? أهطل غزيرا أيها المطر الرحيم، أهطل على رأسي، على جسدي على روحي، على حلمي، على غصني، على جذري. أهطل على أرضنا الجفاف، على قلوبنا الجفاء، على وحشتنا التي تئن في المساء، على صباحنا الذي يتوق للضياء، أهطل غزيرا حانيا لأننا نتوق أن نكون كالهطول في العطاء. أهطل فنحن كائناتك التي تنسل من رحمك الخصب، ومن غموض الكيمياء. ??? أواه يا مطر انتظاري، لقد عبرَ السحاب.. كأنني عبرت أزمنة الطفولة، ومر كأطياف الغيوم الشباب. يقودني بخطى وئيد إلى المشيب والغياب.. عَبرَ السحاب!! hamdahkhamis@yahoo.com