على مدار قرابة الأربعة عشر يوماً، فرض سباق فولفو العالمي للمحيطات نفسه على الساحة الرياضية المحلية، وخطف أبطاله الأنظار من كل الرياضات، حتى كرة القدم فشلت في سحب البساط، خاصة في ظل المستويات المتواضعة التي قدمتها فرقنا المحلية سواء بالدوري أو الكأس.
القوارب الشراعية ليست بجديدة علينا، فهي أحد مكونات إرثنا وتراثنا العريق، فآباؤنا وأجداننا كانوا يعتمدون عليها في رحلات صيدهم وسفرهم وتنقلاتهم فأوصلهم الشراع إلى الهند شرقاً، وزنجبار جنوباً، ناهيك عن أسفارهم لدول الجوار.
أما أشرعة “عزام” ورفاقه الذين رحلوا عن العاصمة أمس، ولم يحدث أن استضافتها أي دولة عربية، وهي تشق موج البحر تجوب العالم، وهو ما يدلل على توجه هيئة أبوظبي للسياحة على اختيار استضافة فعاليات مشوقة وعالمية وللمرة الأولى توضع على أجندتها مدينة عربية، فسباق فولفو للمحيطات قدم ونقل لنا واقعاً ومغامرات رياضية أكثر من رائعة، ساهمت بشكل فاعل في الترويج للعاصمة في العديد من العواصم العالمية، التي تابعت سباق أبوظبي، ضمن الجولة الثانية للبطولة التي انطلقت من البرازيل، ثم كيب تاون وصولا إلى أبوظبي وانطلقت أمس إلى سانيا بالصين ومنها تتجه إلى أوكلاند بنيوزيلاندا وإيتاجاي في البرازيل ثم ميامي بأميركا فالبرتغال، ففرنسا، وأخيراً جالوي في آيرلندا.
في الأسبوع الأخير من البطولة، حرصت على متابعة البطولة عن قرب، وتلمس ما يحدث من حراك عالمي على كاسر الأمواج، بعد أن نفضت هيئة أبوظبي للسياحة الغبار عن الموقع الذي وقع عليه الاختيار لاستضافة العرس العالمي في عامه العربي الأول، فأبدعت وأحسنت التنظيم، وشرفتنا بالاستضافة، وما أسعدني شخصياً المزج المبدع في البطولة الحديثة، ذات الطابع والحضور والضيوف والمتابعين العالميين، وبين التراث الإماراتي، الذي كان حاضراً بقوة في بطولة تطأ قدماها أرضاً عربية للمرة الأولى.
فما عرف بممشى السوق جمع قدراً كبيراً من التراث المحلي، سواء بالمشغولات اليدوية أو المنتجات المحلية والملابس التقليدية والعطور، أو بالأكلات الشعبية، أو بفرق الفنون الشعبية المحلية التي أطربت مسامع العالم، لتشكل قرية السباق نموذجاً مصغراً وبسيطاً ومركزاً للحياة الشعبية، وهو التحدي الأكبر الذي خاضته هيئة السياحة بأبوظبي في تنظيمها للحدث العالمي، ونجحت بتقدير امتياز ليس لأنها قدمت بطولة أكثر من رائعة تنظيمياً، بل لأنها لم تغفل الجانب الأهم والدور المحوري لها وأنها تحمل رسالة أسمى، وهي حفظ تراثنا الشعبي، ونقله للآخرين، للتعرف إلى حضاراتنا وعاداتنا وتقاليدنا، فالأروع أن تنثر عبق تراثك وشخصيتك، وهويتك، وتبرز جانباً من عاداتك وتقاليدك للضيوف الأجانب، وتعرفهم بموروثك الحضاري والتراثي.
إني على ثقة بأن اللحظات الأروع التي سيحملها ضيوف الدولة، وذكرياتها التي سيعودون بها لأوطانهم ستكون تلك التي تلمسوا فيها حضارة، وهوية وثقافة بلد عربي يدخل أجندة بطولة العالم للمرة الأولى، ويضع الشرق الأوسط على مسار يخوت العالم، وذلك الناموس.


m.eisa@alittihad.ae