أرسلت لي صديقة اختباراً من هذه الاختبارات الشائعة التي يتم تناقلها عبر البريد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، مشفوعا برجاء تطبيقه شريطة الإجابة على كافة أسئلته بدقة وصراحة تامة، لأنها الطريقة الوحيدة للكشف الدقيق عن نوعية الشخصية التي تتمتع بها بحسب تصنيف عالمي يعرف بتصنيف مايرز للشخصيات، والذي لم أسمع عنه يوماً، وليست تلك هي المشكلة فهناك ملايين الأشياء التي لا نعرفها، ولم نسمع بها يوماً، المشكلة هي أننا حينما نصل إلى مرحلة وعمر معين نفترض أننا نكون قد عرفنا أنفسنا جيدا أو على الأقل عرفناها بما يكفي، ولقد كنت أعتقد بأنني إذا ما طبقت هذا الاختبار بالدقة المطلوبة فإنني سأحصل على تصنيف المستشار أو الحرفي أو العقل المدبر!! بحسب شخصيات التصنيف، لكنني فوجئت بأن النتيجة هي أنني من نوع شخصية: البطل!!
حينما سألتني صديقتي عن تصنيف شخصيتي حسب النتيجة أخبرتها بكل استغراب، فاستنكرت دهشتي معتبرة أنني ربما أكون بطلة دون أن أدري!! وسألتني تفسيرا لدهشتي فقلت هناك أحد تفسيرين: فإما أن يكون هذا الاختبار مخطئا أوغير دقيق، وإما أننا لا نعرف حقيقة شخصياتنا، فيظن الواحد منا أنه خلق ليكون مدرسا مثلا، بينما الحقيقة أن هناك مبدعا ما (رساماً، روائياً، ممثلاً..) يسكن داخله لم يهتد للطريقة المثلى للتعبير عنه، فيظل طوال حياته يحمل عبء ذاك المعلم فوق كتفه في حله وترحاله، في يقظته ممتلئا بهموم الطلاب وغبار الطباشير وساعات الدوام التي لا تنتهي، وفي منامه تتوالى عليه وجوه طلابه الشياطين يسخرون منه ويخرجون له ألسنتهم، وتدريجيا يوما بعد يوم وعاما في إثر الآخر يختنق المبدع الذي في الداخل ويموت دون أن يسمع به أحد ولا حتى صاحبه!
هناك إذن إشكالية من نوع ما، بل مأزق وجودي كبير نرزح تحت ثقله وملابساته، لكن أين تكمن هذه الإشكالية؟ ومتى تبدأ وكيف تستمر دون أن نتنبه لها؟ لقد فتح ذلك الاختبار شهية الحوار والتأمل حول مأزق الكثيرين منا الذين يعيشون حياتهم بنية تحقيق مطالب وأحلام الآخرين، فذاك الشاب يدخل كلية الشرطة لأن والده يريد له ذلك، هو إذن يحقق حلم أبيه الذي لم يتمكن لأسباب مختلفة من تحقيقه، وتلك تربي أبناءها كما ترغب والدتها لا كما تؤمن هي، وتنفصل عن زوجها لأن عائلتها أرادت ذلك، وهو يتزوج هذه الفتاة تحديدا لأن الأسرة الكريمة قررت ذلك، وهكذا، نصل في أحيان كثيرة إلى الشعور بأننا نعيش حياة أخرى أو مختلفة عما نريد أو نتمنى أو نحلم، نحن نعيش - أو كثيرون منا على الأقل - بناء على ما يقرره غيرنا، وغيرنا قد يكون الوالدان، العائلة، الأصدقاء أو المجتمع!
في تقاليد التربية الغربية يُسأل الطفل عن ما يريد أن يأكل أو يشرب أو يلبس منذ أن يبلغ السادسة ربما، فينشأ معتدا بنفسه قادرا على الاختيار والمفاضلة، وإبداء الرأي، فالتحديد والاختيار ملكة أو موهبة تحتاج إلى تدريب مبكر، وتحتاج إلى تعلم طويل حتى تتشكل هذه المقدرة وتصبح سمة من سمات الشخصية، إن الذين نقرر نيابة عنهم ابتداء من نكهة العصير الذي يشربونه ونوع اللعبة التي يلعبونها ولون الثياب التي يرتدونها من الطبيعي أن لا يجيدوا التعبير عن ذواتهم وأنفسهم لاحقا، من الطبيعي أن لا يعرفوا كيف يركبون جملة صحيحة إلا بمساعدة والديهم أمام الآخرين، ومن الطبيعي حين نجبرهم على أن يتزوجوا من نريد نحن أن يفشلوا منذ الليلة الأولى وأن ينتهي الزواج بعد شهرين!


ayya-222@hotmail.com