كم هو منعش ذلك الشعور بالخلاص، تبدو كلمة “التخلص” أكثر واقعية، أجل.. التخلص من بعض الذين ينجحون بإرادتنا، في ربطنا بهم، فيصبحون كعادة لا تكتمل الأشياء إلا بإتيانها، ولون لا تبتهج الصور إلا بصبغه، ويصبح العمر وكأنه مقسم إلى ما قبل وجودهم، وما بعد حضورهم؛ ولأنهم كذلك، يبدو أن الاستغناء عنهم مؤلم، بل ومدمٍ في أحيان كثيرة. ولكن.. عندما نستطيع المضي في أشيائنا من دون أن يعبروا المكان بأطيافهم، وتكتمل أفكارنا من دون صورهم، ونصحو من النوم من دون أن يزوروا أحلامنا، إذا حدث ذلك ولم نسأل أنفسنا “أين هم؟” أو “يا ترى ماذا يفعلون الآن؟”.. عندها.. وعندها فقط، نستطيع القول إننا نجحنا في الخلاص.

“الذكريات في مجملها تدفع للألم، سواء أكانت حزينة مؤلمة بطبيعتها، أو ذكريات سعيدة، يأتي ألم تذكرها من انقضائها، أو زوال سببها”. لم أعد أذكر أين قرأت هذه الفكرة، ولكني أتذكر تماماً أني وقفت طويلاً أتأملها وأختبر صحتها، والحقيقة أني تأكدت من منطقها، ولكني وجدتها فيما بعد مدعاة للكآبة والبؤس!
والحق أن الكآبة والبؤس آخر ما علينا أن نفكر في استدعائهما، فهما حالتان لا تحتاجان جهداً يذكر لاستجلابهما، فما بالك بجهد يعصر الذاكرة وينكش في زواياها القصية بحثاً عن الساعات الهادئة والضحكات الماضية، ومن ثم قلبها إلى آهات يخنقها الضيق وتهيجها الدموع؟! ثم إن الرَكون إلى هذا النهج في تذكر ما مضى يدفعنا لعدم الاستمتاع بالحياة، فهي إما مؤلمة بأسباب حزنها، أو دافعة للألم بسبب انقضاء أسباب السعادة منها، ويتحول السعي إلى الحصول على أسباب السعادة بلا معنى، فما الداعي منها إذ إنها ستتحول مستقبلاً إلى ذكرى مؤلمة؟!
وقد صادفتني الحياة، فعرفتني بمن تجنب كل أسباب السعادة بحجة أنها زائلة، وأن غياب تلك الأسباب له من الألم ما يزيد على ما حملته له من لذة، فاستأثر تجنبها حتى عندما تُقبل عليه، بدعوى الخوف من الفقد، فعاش حياته خائفاً، غير مدرك تماماً أن خوفه كان أشد ألماً من ألم الفقد ذاته!


als.almenhaly@admedia.ae