منذ مدة طويلة لم أراجع مستشفى حكوميا لأسباب لا داعي لذكرها، لكنني إذا ذهبت فغالباً ما يكون السبب اصطحاب والدتي أو زيارة جدتي في المستشفى إذا صادف أن أصيبت بنوبة سكر أو ... الله يعافي الجميع، المهم أن المستشفى عندي يرتبط منذ الصغر بالممرضة الهندية التي تضع تلك القبعة البيضاء وتثبتها بدبابيس شعر أظل أتأمل طريقة تثبيتها كلما مرت أمامي وأنا أجلس مع والدتي في ممرات مستشفى الكويت بمنطقة ديرة والذي صار يحمل اسم مستشفى البراحة حاليا، كما يرتبط عندي بمجموعة من أسماء الأطباء المشهورين والمعروفين في دبي والذين خرجتهم المستشفيات الحكومية ليعملوا لاحقا في عيادات خاصة مستفيدين من شهرتهم وحرفيتهم وقد كانوا يشكلون نوعية جيدة بمقاييس ذلك الوقت من سنوات الثمانينيات وبمقاييس اليوم. اليوم يرتبط المستشفى عندي بقاعة الانتظار التي تشبه قاعة السينما، فطريقة صف الكراسي تبدو وكأن المرضى قد حجزوا تذاكر لحضور فيلم لانجلينا جولي، وهي طريقة لم أرها في أغلب مستشفيات الغرب وأميركا التي دخلتها وأنا أتنقل في رحلات علاج والدتي حفظها الله، ما علينا، فالمهم ليس طريقة الجلوس ولكن الانتظار الذي يبدو أنه سيظل ملازماً لغرف الانتظار دون جدوى، هناك خلل في قضية المواعيد في كل مستشفياتنا الحكومية وغير الحكومية، فلم يحدث يوما ولو بطريق الخطأ أن أعطي مريض موعدا ودخل على الطبيب وفق ذلك الموعد، حيث لابد من أن ينتظر ما بين ساعة إلى أكثر (هو وحظه) ، فإذا سألت الممرضة قالت: وما أهمية غرف الانتظار إذن ؟ دائما أشعر أنه الجواب الدبلوماسي الأكثر مصداقية !! يرتبط المستشفى عندي كذلك بالطبيب العربي الذي لا يستطيع أن يتخلى عن الكرم العربي وهو يكتب لك وصفة الدواء، فمن المستحيل أن تخرج من المستشفى دون أن تمر بالصيدلية وتجلس زمنا لتستمع لأحاديث وسوالف مسلية ومملة في الوقت نفسه لأنك تتذكر فجأة أنك استمعت إليها أمام صيدلية أخرى منذ عدة أيام وأنت تصرف دواء جدتك أو خالتك أو حتى الخادمة التي تعمل عندك، لا أتذكر حتى عندما كنت طفلة أن أمي كانت تخرج من المستشفى بدون ذلك الكيس المليء بالأدوية التي كتب عليها كلها عند اللزوم .. غريب في أدوية بدون لزوم! ترتبط صورة المستشفى المريح في ذاكرتي والذي لا تثير ذكرياته الآلام بقدر ما تثير الارتياح بمستشفى مايو كلينك الواقع في ولاية مينيسوتا بالولايات المتحدة، فهذا المستشفى الذي أسسه الأخوان وليم وتشارلز مايو ومجموعة من الراهبات أيام الحرب الأهلية في أميركا الذي يعتبر أحد أساطير الطب في العالم، كل شيء يسير بانتظام كساعة سويسرية فائقة الدقة، فلا أتذكر يوما أن قدم الجراح الذي أجرى جراحة الأعصاب لوالدتي متأخرا دقيقة أو متقدما دقيقة، صوت خطواته وضربات حذائه تسمع في أول الممر مع فريقه الطبي كل صباح في السادسة فجرا بالضبط. المستشفى العربي صورة طبق الأصل للواقع العربي، لكنني متفائلة بأن الصبح قريب وبأن أطباء عرباً ومستشفيات عربية تلوح في الأفق على غرار مايو كلينك ... الحلم مشروع دائما حتى وإن كان مشروعا مؤجلاً. عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com