ينحني الموظف العربي كل صباح ليربط خيط حذاء يومه، ثم يخرج منزلقا على سلالم الأمل، قافزا في “باص” الطموح ليصل سريعا إلى مقر عمله. وهناك تستقبله سكرتيرات الممرات بالابتسامة البيضاء، وهن يخطن ملابس أطفالهن بيد ويطبعن الرسائل بيد ثانية. وحين يصل إلى كرسيه يجلس مواجها شاشة المستقبل، حيث الأفكار الجديدة لا تزال في مراحل التفقيس، والأفعال يتم جدولتها على شكل سلاسل لا تنتهي من مراحل بناء لا يتوقف. وقبل أن يتاح له السهو قليلا في معاني الماضي، يمر المدير ليربت على كتفه باثا فيه الحماسة لكسر الروتين أياً كان نوعه. وفي ظهيرة الاستراحة وقت الغذاء، يتناول طبقا من مادة خضراء نبتت للتو في حديقة المؤسسة، ثم يشرب كأسا من ماء يهطل في آنه. وبالروتين نفسه يظل الموظف العربي منشغلا بوضع الخطوة الصحيحة بعد الخطوة، وساعة الزمن متوقفة وراءه وهي تدق في الماضي الذي لم يعد يسمعه أحد. يكتب الشاعر العربي قصائده كلها باكيا أولا على أطلال (الصبر) الذي صار لا يعرف معناه إلا الباحثون في قواميس الأثر، ثم يمتدح بشكل تقليدي السلام المرفوع شعارا عالميا في الأعلام التي ترفرف على الشاشات الصغيرة. ويصف القمر بانه (تكنولوجيا القدر)، والأشجار بأنها الجواري التي تزين مماشي العمارات وممراتها اللامعة، إلى درجة أن الناس لا يحتاجون إلى المرايا وهم يعبرون في طوابير لا تنتهي يلفحهم الهواء البارد المتسرب من الشقوق والجدران. وحين يجلس على البحر، يكتب الشاعر العربي نشيدا مطولا عن فكرة (الرسو) باعتباره معنى الحرية الأول، وعن (الرحيل) باعتباره خطوة الضياع الأخيرة، وسفينة المطرودين، هم وأسئلتهم المفتوحة، من رحمة ومتعة الحياة بلا سؤال. كل كلمة يخطها تتحول إلى صورة تبرق في عيون المتأملين وهم يجلسون جماعات جماعات في قيلولة القراءة. في كل فجر، قبل أن تتنهد الشمس وتنهض من نومة الأمس، تفتح المرأة العربية نوافذ بيتها لتستقبل أول خيوط الضوء ومن قلبها يفوح عطر المحبة للكون كله. ثم تذهب لتوقظ أطفالها النائمين في حلم يشاركهم فيه أطفال العالم كله. ثم تودّعهم بوداعة وهم يغادرون إلى مدارس المنهج الواحد الذي يتم تلقينه لطلاب العالم كله. وفي ذلك الموقت تكون الأرقام قد تحولت إلى أسماء، والبشر قد تخلوا عن أقنعة وجوههم واستبدلوها بعلامة أو رمز. وسوف تكون المرأة سيدة مصيرها الناعم، تعيش الحلم في الواقع، وترى المستحيل يطيعها أن أمرت أو أشارت. يكرر الزمان العربي كلماته في مستقبل الدنيا تولد الحكمة من فم المجنون وتصير عرفا في أخلاق العالم كله. عادل خزام | akhozam@yahoo.com