منذ يومين وعلى واحدة من الفضائيات المصرية دار حديث أمتد لساعات حول دعوة قائد الجيش المصري عبدالفتاح السيسي للشعب المصري بالخروج يوم الجمعة (البارحة) لمنحه تفويضاً للقضاء على الإرهاب الذي يضرب مصر في قلبها وفي سيناء وأماكن أخرى، هذه الدعوة التي كانت نتيجتها حشود الجمعة التي هزت مصر من أولها لآخرها، كان المتحدث في ذلك البرنامج قد اقترح دعوة الوكالات الإخبارية والمصورين الأجانب لنقل المشهد من الجو للعالم كله، وتحديداً للولايات المتحدة التي تقف بقوة عجيبة داعمة موقف مؤيدي مرسي، لقد سبق أن ادعى هذا الفريق أن الحشود التي صورت يوم 30 يونيو كانت مجرد فبركة سينمائية من إخراج الفنان خالد يوسف!
لاشيء سيسعف هؤلاء المنكرون : لا الحشود الرافضة التي سدت شمس مدن مصر كلما خرجت، ولا جهلهم المتجلي في السياسة وإدارة شؤون مصر، ولا المبررات التي قدمت لأجل إنقاذ مصر من براثن «الإخوان» ومشروعهم التخريبي الذي أرادوا به تخريب مصر الدولة وجميع مؤسساتها، خدمة لمشروع الفوضى، إن إبليس لا يقيم مملكته إلا على الخرائب والدمار وفي قلب الفوضى، فلماذا الفوضى؟ ولماذا مصر ؟ ولماذا يشكل «الإخوان» اليوم بالنسبة لبعض القوى العظمى حصان الرهان الأسود ؟ لأن مصر قلب العالم وقائدته ونبضه، ولأن مصر الوزن السكاني الأكبر، ولأن مصر هي معقل الفكرة ومسقط رأس جماعة «الإخوان» الذين ما زالوا يحلمون بسدة حكمها منذ ثمانين عاماً عندما ظهر شاب باسم حسن البنا وضع مرتكزات هذه الجماعة وأهدافها!
المخيف في مشهد الجموع مساء أمس الجمعة هو هذا الانقسام الحاد بين شرائح الشعب، وكأننا نشهد شيئاً من ( اللببنة السياسية ) الواضحة على صعيد الشارع المصري، هناك فريقان ومعسكران وفكران وفسطاطان، أحدهما الذي يستوطن رابعة العدوية منذ 30 يونيو والذي يصف الحالة بأنها معسكر الإيمان مقابل الكفر أو معسكر الشرعية ضد الانقلابيين، بينما الفريق الذي يتحصن في الميدان الرمز ( ميدان التحرير) يُوَصِّف الوضع بأنه الثورة مقابل العصابة، ومصر في مواجهة الإرهاب، أما الإعلام فلا يعبر سوى عن وجهة واحدة لأن إعلام الإخوان قد أغلق تماماً، هذا ليس تحليلا - في الحقيقة - لكنه توصيف لمشهد الأمس، وهو على قدر الدهشة التي يتضمنها بحجم الحشود والإصرار على الموقف، إلا أن قراءة المشهد والتنبؤ باستحقاقاته المستقبلية ليست سهلة أو حتى مطمئنة، أياً كان نوع الضربة التي سيوجهها الجيش لجماعات الإرهاب التي تضرب مصر!
لا أحد كان يتوقع حصول هذا المشهد في مصر بما يعنيه من انقسام المصريين بهذه الحدة، ولا أحد يريد لهم هذا الواقع ولا يتمنى لهم استحقاقاته المستقبلية في ظل هذا الفكر التحريضي والثأري، وفي ظل هذه الهتافات الخطيرة التي يريد كل طرف الخلاص فيها من الآخر، بينما قدر هؤلاء أن يعيشوا معاً ويستمروا معاً ويكملوا الحياة معاً، بسياسة التوافق إن لم يكن بقناعة القبول، وهنا فإن على الفريقين أن يؤمنوا بمصر ومصلحة مصر قبل أن يؤمنوا بأي شيء آخر، لأن مصير مصر كله اليوم على المحك، مصر الحضارة، المجتمع، الدولة، المؤسسات، المصالح .... الخ، التنظيم ليس وطن، والجماعة ليست مجتمع والمرشد ليس مصلحة قصوى في الشريعة والذي يريد أن يخوض بحر السياسة عليه أن يتعلم السباحة جيداً، كي لا يغرق ويغرق البلد في شبر ماء !


ayya-222@hotmail.com