عندما يتحوَّل القانون المكتوب إلى قانون ذاتي وثقافة فردية، وعندما تصير الحرية مسؤولية الفرد في الحفاظ على الثوابت والضوابط والقيم القانونية، يسلم المجتمع من التجاوزات والانحرافات والتشققات القانونية، ولكن كيف يمكننا تحويل المكتوب إلى ظرف مفتوح يقرأه كل فرد ويستوعب مفرداته ويفهم جمله من دون تردد أو تصهد أو تبدد عندما يصبح الفرد العادي رجل قانون، بل وحزمة قوانين محفوظة في الضمير مندمجة على عاداته وتقاليده ورغباته وطموحاته، يكون هذا القانون جزءاً لا يتجزأ من فكر الشخص ثم جزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمع، في هذه الحالة يصبح القانون حاجة فردية كالغذاء، والماء، والهواء، لا غنى للأفراد عنها، وبالتالي يطبقونها بإلحاح ومحبّة دون حاجة إلى إيعاز أو توجيه أو فرض الشروط.
أما الحرية، فيقول عنها الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، فإن الألم الفردي نتيجة لفرد فاسد، وإذا فسد الفرد، فسد مفهوم الحرية لديه، وبالتالي ضاعت المسؤولية في غيات الذات المتشققة، والمبعثرة، والمتعثرة في كبوات التنشئة والتربية والثقافة.
الإنسان بحاجة إلى الحرية كحاجته إلى التنفس وكريات الدم، مقابل ذلك فهو بحاجة إلى حس شفاف بالمسؤولية تجاه الحرية، التي لا ينبغي أبداً أن تصير كالماء المنساب على أرض بطحاء، غبراء شعثاء.. الحرية كالوردة إن سقيتها بماء المكرمات الأخلاقية نمت وترعرعت وزهت وأينعت، وإن أسقيتها بحثالة الماء، ذبلت وماتت وصارت أوراقاً صفراء جافة لا رائحة لها ولا لون.
فالمسؤولية هي الرباط وهي العروة الوثقى التي ترصع صدور الملتزمين أخلاقياً، كقلادة الذهب، أما الفوضى فهي الريح العاصفة التي تعصف بأشجار الذات ثم تنسف حقول الوطن ولا يبقى من المجتمع سوى الشعور المقدد، والمبدد المقصوف بشظايا الرعونة وبلايا النفس الأمارة.
إذاً في البدء لابد من ثقافة اجتماعية حصينة رزينة، أمينة تطوق أخلاق الناس، بحزمة من القيم الرادعة، المانعة المدافعة عن حق المجتمع، والواقفة بصمود ضد الترهل، والتقلقل والتبلبل والتجاهل والتساهل.
الثقافة أولاً وقبل القوانين المكتوبة وقبل الضوابط المرصوصة، وقبل التعليمات الواقعة من فوق، فالذات البشرية مجبولة، على الفوضى والتجاوز، ولا يحكمها ولا يلجمها، ولا يحجمها إلا ثقافة تضع الالتزام الأخلاقي حزاماً واقياً شافياً، سارياً جارياً في عروق الذات ومن دون وصاية أو دعاية، أو رعاية، أو حماية خارجية.
ولا شك أن مجتمع الإمارات يزخر بالأخلاق الرفيعة، ولكن لأن مجتمعنا أصبح يلف لفيفاً من الثقافات فلابد من التركيز على بناء ثقافة جديدة تحول دون الانسياب اللا مسؤول، لابد من ثقافة تنبع من قيم الأرض المباركة، والناس الطيبين.