في صباح اليوم التالي غادرت سيؤول مستكملاً رحلتي باتجاه الغرب، بالطائرة، في كرسي في الدرجة السياحية، نظرت حولي فوجدتني الوحيد المختلف على متن هذه الطائرة، جميع المسافرين من العرقية الآسيوية، من الصينيين أو الكوريين لن ترى شخصاً واحداً من عرقية مختلفة غيري أنا، فلم أجد سوى الابتسام لأنني تذكرت تلك الخرافة التي روتها لي العرافة الغجرية المجنونة التي جلست إليها في روما، عندها نصحتني بالتوجه الى الغرب وها أنا مذ ذاك أدور حول الكرة الأرضية الى أن وصلت الى شرقها ولا أزال أدور في نفس دورانها، قد أسخر من حديث العرافة غير أن جزءاً مني كان يصدقها رغماً عني، والا لماذا قطعت كل تلك الأميال والمحيطات ولماذا طفت حول الأرض وليس لدي هدف واضح.. ترى هل تخلصت الآن من تلك الألف لعنة ولعنة التي تحدثت عنها العرافـة المجنونة، آلا يكفي كل ذلك الهروب، وكل ذلك التيه وآلام الضياع في صحراء الغربة وفيافي الوحدة، وكل ذلك الترحال لأتخلص من تلك اللعنات..! كانت الرحلة مملة ولم أجد ما اتسلى به في الطائرة لأن كل الأفلام صينية أو كورية ليس هناك فرق كبير فلم أكن أجيد أي من اللغتين على أي حال، وفي غضون ساعات وصلت الى شنغهاي، المدينة التي يعني اسمها فوق البحر، وقد وجدت نفسها في موقع متميز عند مصب نهر اليانغتسي الذي يصب في بحر الصين الشرقي.. وجدتني مبهورا بالمدينة العظيمة، كل شيء فيها حديث ومبانيها الشاهقة تجعلك تشعر بأنك في مدينة مستقبلية، كأنك في واحدة من تلك المدن التي تظهر في أفلام الخيال العلمي، على رغم ذلك تركت كل ذلك الصخب وبحثت عن مكان أقل صخباً في وسط المدينة لأبقى مع نفسي فوجدت ضالتي في حديقة يويوان أو حديقة البهجة وهي حديقة تعود الى القرن السادس عشر، شيء عجيب يذهلك وهو ما جعلني أكمل استكشاف هذا العالم المختلف، فذهبت الى الحديقة القرمزية وهي ايضاً حديقة تاريخية.. ثم ما لبثت ان اكتشفت متنزه تشونغشان الممتد على طول نهر هوانغبو وهو ما أخرجني من العزلة لأنه يغص بالمرتادين.. بحثت عن مكان اتناول فيه الطعام فلم أعد اتذكر متى كانت آخر مرة تناولت فيها طعاماً، هنا في هذه المدينة على الاقل هناك الطعام الصيني المقبول، ووجدتني أمام مطعم فدخلته وأقضي فيه عدة ساعات في تناول وجبة واحدة مليئة بالطقوس وبالصحون التي توضع فيها أشياء صغيرة لا تكفي واحداً مثلي ملهوف على الطعام منذ عدة أيام.. rahaluae@gmail.com