المجالس الرمضانية واحدة من المظاهر الثابتة في مجتمع الإمارات خلال شهر رمضان، وهي ظاهرة تدل على حيوية المجتمع وشغفه للتقارب، فأن تفتح بيتك وقبله قلبك، ليدخل الجميع إلى فضاء خصوصيتك، فيتقاسمون معك الوقت وطيب الكلام والحكمة والمعرفة، فتلك حالة تستحق التوقف والتأمل، تستحق أن نقول لأنفسنا بأننا لازلنا ولله الحمد قريبين من إنسانيتنا، هذه الإنسانية التي مهما شطت في سعيها المادي والاستهلاكي إلا أنها تظل تواقة نحو تلك الرغبة في بناء الجسور للعبور نحو الآخر، الرغبة في الحديث وكسر الحواجز، الرغبة في المعرفة والتعارف، والوعي، إنها الرغبة التي تجسد حقيقة الهدف العظيم (... جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ).
المجالس الرمضانية التي تتبناها وزارة الداخلية هذا العام خلال شهر رمضان الحالي، والعام الفائت تسير في الطريق نفسه نحو ذات الهدف بل وتزيد عليه في تخصيص موضوعات قانونية تدور حولها نقاشات هذه المجالس، هذا التحديد أو التخصيص يبدو مفهوماً وضرورياً لأن الفكرة تأتي بإشراف مكتب ثقافة القانون التابع لسمو وزير الداخلية أولاً ، وأما ثانيا فلأننا نعبر مرحلة مفصلية على مستوى العالم والإقليم من حيث انفجار ثورة المعلومات والاتصالات واختلاط الخاص بالعام وضبابية القوانين لدى البعض، وهذا كله يستدعي عملاً وطنياً جاداً لشرح هذه القوانين والتوعية بها عن طريق الإعلام والإعلاميين وعلى رافعة اجتماعية في مجالس المواطنين الذين تدور هذه النقاشات لديهم، ومن ثم تنقل إلى جميع البيوت عبر وسائل الإعلام المختلفة !
إن غرس ونشر ثقافة القانون واحدة من أبرز اهتمامات وزير الداخلية الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان ، بدا لنا ذلك الحرص جليا في الجلسة التي جمعتنا بسموه لمناقشة فكرة هذه المجالس، لقد كان حريصا جدا على إنجاح هذا المشروع رغبة منه في أن يمتلك كل مواطن ومقيم هذه الثقافة التي ترسم للجميع مسؤولياته وحقوقه والتزاماته وحدود حريته، فلا حرية مطلقة ولا حقوق بلا واجبات، إن عملية التثقيف والتوعية هذه والتي حمّل سموه الإعلام مسؤوليتها المباشرة تجعل من الإعلام شريكا رئيسا وحقيقيا تجاه المجتمع ليس بصفته جهة ترفيه وإخبار ومعلومات فقط، ولكن من حيث دوره في نشر منظومة القيم القانونية والأخلاقية، الأمر الذي يعيد للإعلام دورا كان على وشك أن يفقده وسط تنامي خط الحرية والفردية المطلقة في الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي !
إن حضور هذه المجالس والمشاركة في نقاشاتها، والتفاعل معها، ليس إنجاحا للمشروع فقط ولكنه إنجاح للهدف من هذه المجالس الذي هو هدف اجتماعي في محصلته النهائية، هدف يعنينا جميعا كبارا وصغارا، إعلاميين وأفرادا عاديين، حيث إننا كمجتمع منفتح على جميع الثقافات والجنسيات وكذلك على آخر التطورات والاختراعات في عالم الأفكار والتواصل والمواصلات يجعلنا عرضة للعديد من التجاوزات والالتباسات والمخاطر، ونحن هنا نسعى بكل طاقاتنا للحفاظ على التوحد والتلاحم الوطني والأمان والاستقرار الاجتماعي وهي الأفكار التي تمثل العمود الفقري لدولة الإمارات وفكرة اتحادها الذي قامت عليه منذ أكثر من أربعين عاما، إنها الفكرة التي تستحق منا جميعا العمل على تكريسها بالقانون والثقافة والوعي وصولاً لتحقيق أكبر قدر من التماسك للحفاظ على كل هذه المنجزات التي حققناها.



ayya-222@hotmail.com