أسقط في يدي، والنقاش بين الصديق سام والسائق المخلص وصل إلى سعر تولة الزعفران، لكن قبل أن ينهي السائق إجابته، قلت له أخبره بسعر ربطة الخبز بالمرة، وكيلو الطحين المدعوم للمواطنين، مقارنة بسعره في الجمعيات، ظلا يتحدثان وتشعبا في الحديث، وأنا أبتسم ابتسامة غير ذات معنى، وأهز رأسي بالموافقة المبدئية، خاصة حين صارت الأمور عن تعرفة “سالك” التي بالتأكيد لا أعرف أن أسلكها، ولا أعرف أين ينصبون “كفاطاتهم” ولا كم مرة عليّ أن أدفع، ولا أعرف تلك المهارات مثل: إذا كنت تريد الذهاب إلى عجمان، مر بشارع الإمارات، وحاذ العابر، وخلّ على يمينك الطريق الشمالي الجديد، المهم رشف الصديق معلومات السائق، بعدها بادرني بسؤال وراءه علامة تعجب، يبدو أنك لا تحمل نقداً في جيبك دائماً! وضحك، ضاع الوقت و”المحزم الذي تحزمت به ما نفع وقت الثورة، ولا فاد يوم الغارة، وأنا اللي ما خليت معلومة عن الناتج المحلي ما حفظتها، ودرست نتائج أرباح البنوك الوطنية التي كنت ما أصدقها وهي تنشر إعلاناتها على أربع صفحات بخط صغير يتعب العين، وفي الآخر يستنتج الزائر أن سعر ليتر الماء عندنا يساوي ليتر البنزين، فوافقت بهزة رأس، وحالي يقول: إيه مات ورور.. وماتوا اللي يحفرون الطوايه!”.
صبرت وقلت مسير الصديق العاشق لمثل تلك الأسئلة التي تحرك السوق أن يعود حين يرى قلاعاً في العين، وغابات نخل وزرع، وحين يرى الفجيرة ويرى ذاك البحر الصافي يجاور الجبل، ويرى إنسان الإمارات البسيط بعيداً عن ضجيج المدنية، متوحداً ما زال بالأرض وخيرها، وحين تجفل عينه برؤية تموج رمال المنطقة الغربية، وكيف عاش الإنسان هنا يمتص حرقة العطش، سيرده الوقت ويسأل حين لا يكون جواب السؤال إلا تلك اللغة المتضلعة التي تنسج من حروفها رهبة الكبرياء، وأشياء يقشعر لها البدن، حينها دوري، وليكتف السائق بمراقبة الطريق، ولا يمشي على خطوط الإنارة الحديدية الفاصلة بين الخانات، والتي يظل يمشي عليها ساهياً، لاهياً، جاعلاً من عصبي مشدوداً من ذلك الضجيج المتكرر، وحين أتململ يعدل السيارة حتى يغافلني ليرجع يدوس على تلك المطبات الصغيرة المزعجة خاصة حين يرى عينك غافية، فيجفلك.. لأن صاحبنا وخفتت شرارة تلك الأسئلة التي تحتاج إلى تخصص علمي، لا لشخص مثلي مدرك أنه سائر إلى الأدبي منذ الصف الثاني ابتدائي، أخذت دور المرشد السياحي واستراح هو قليلاً، وبدأت المعلومات تعني له شيئاً مفيداً حين تتداخل المعلومات بالأدب والثقافة والفن والدين وتاريخ المكان، ومعنى الأشياء الجميلة والنبيلة في الحياة، وكيف هي الحضارة إن لم تكن أرضا وإنسانا وعطاء، لكنني رغم ذلك كنت خائفاً أن يرد لطبعه، ويسألني فجأة عن سعر إسطوانة الغاز، ساعتها سأنفجر في وجهه!


amood8@yahoo.com