يعتقد بعضنا بفخر أنه رحالة عاشق للسفر، لأنه ركب الطائرات وسافر بها هنا وهناك، وتجول بين القارات وشاهد الناس والدول والمدن، يحكي ويروي ما شاهده، ولكن كل ذلك يتضاءل عندما أقرأ عن رحلات الأوائل، الذين كانوا يغادرون بلادهم سيرا على الأقدام، أو على ظهر بعير أو جمل، سائحون في بلاد الله.. ومنهم ابن بطوطة! ابن بطوطة ذلك الرجل الذي ترك لنا وصفاً دقيقاً لرحلة طويلة استغرقت 28 سنة ولد في مدينة طنجة في بلاد (المغرب) سنة 703 هجرية حوالي القرن الرابع عشر الميلادي، خرج من طنجة وعمره 22 سنة، قاصداً القيام برحلة حول العالم، يكتب ويدون فيها ما يراه، سافر من المغرب، ووصل حتى أفغانستان والهند والصين شرقاً، وبلاد البلغار في شمال أوروبا غربا وكل الأقطار الاسلامية في آسيا وأفريقيا. ابن بطوطة جاء عليه في رحلته 28 شهر رمضان، فقد خرج من المغرب في شهر رجب، حكى الكثير عن عادات الصوم والإفطار ورؤية الهلال وصلاة العيد في هذا الوقت، كتب عمن يفطرون على لحم الخيل، وعادات رؤية الهلال في تونس ومصر والسودان وسوريا، ووصف عادات أهل مكة في رمضان، ويقول أنهم يبدأون الاحتفالات من شهر رجب، وأنهم يحتفلون بهلال رجب، ويبدأون بضرب الطبول عند أمير مكة، ثم تقوم الطوائف والمذاهب الدينية بإحياء الليالي، كما يحدث الآن في الموالد ببعض البلدان.تحدث أيضاً عن السحور وعاداته، وأن موعد السحور يبدأ بآذان يطلقه المؤذن الزمزمي، ثم يقوم بترديده بقية المؤذنين، وعندما تحين ساعة الإمساك تنطفئ القناديل المثبتة في أعالي المآذن فيعرف من يسكنون على مسافات بعيدة أن وقت الصيام قد بدأ. ما تركه من تدوينات وحكايات يعد وصفاً دقيقاً لشكل الحياة في العالم في هذا الوقت، كان يندهش أحياناً كثيرة، ولا يدري سبباً للعديد من الظواهر الطبيعية التي قد نراها نحن الآن عادية جداً. على سبيل المثال عندما سافر إلى أوروبا وجاء عليه شهر رمضان، أبدى اندهاشه من طول فترة الصيام وقلة فترة الافطار من المغرب إلى الفجر، ووصف ذلك قائلاً: إن أذان العشاء يحين موعده والناس يتناولون الافطار، وإن الفجر يحين موعده والناس في صلاة التراويح! وبالطبع اندهش كل من قرأ كتاب رحلات ابن بطوطة من هذه المعلومة المدهشة.سافر ابن بطوطة إلى العراق واصفهان واليمن والصومال وشرق أفريقيا، وعاد إلى مكة ومنها إلى الشمال الأوروبي عن طريق اللاذقية، ومنها إلى بلاد الروم وبر الأتراك، ترك هذا الرجل قبل ان يعود مرة أخرى إلى بلاده وعمره 48 سنة وصفاً من أجمل ما يمكن للبلاد والعباد في مختلف المناسبات والاحتفالات. ودائماً ما يساورني السؤال، كيف سافر كل هذه المدة الزمنية الطويلة، كيف تنقل من مكان إلى مكان رغم صعوبة الطرق، وعدم وجود مواصلات إلا على ظهور الحيوانات، كيف عاش كل هذه السنوات في بلاد الله، وكيف دبر ميزانية الرحلة؟ عندما تقرأ رحلات ابن بطوطة، وعندما تعرف تفاصيل رحلته، وبينما أن تركب الطائرات، وتقيم في الفنادق، وتأكل في أفخر المطاعم، هل لا تزال تظن نفسك.. رحالة..؟ حياكم الله.. رئيس تحرير مجلة أسفار السياحية