انتشار وسيطرة وسائط التكنولوجيا الاتصالية في حياتنا اليوم لا يمكن اعتبارها، أو النظر إليها على أنها «موضة» أو صرعة عابرة ، فهي لا تخص بلداً واحداً، أو مجتمعاً معيناً، أو أفراداً محدودين، ثورة تكنولوجيا الاتصالات ظاهرة عابرة للقارات والمحيطات، وهي كذلك عابرة للأجيال والمجتمعات، ما نراه من استحواذ كامل لهذه الأجهزة الذكية لا يأتي من باب التسلية واللعب، بقدر ما يعبر عن مرحلة تاريخية من مراحل تطور الإنسانية، بعيداً عن مسألة الاتفاق والاختلاف، فهذا ليس معياراً للحكم على التاريخ، التاريخ كعربة مبرمجة ذاتياً تنطلق على قضبان ثابتة بسرعة وقوة وخاصية ثابتة في داخلها، إعجابنا لن يوقف حركة التاريخ، وغضبنا لا يسرع تلك الحركة، ما علينا هو أن نراقب ونعي ونتعامل مع المرحلة بما يحقق مصالحنا، أن نندمج مع الواقع لا أن نتفرج عليه، أن نقبله لا أن نرفضه، وكل ذلك التعامل والاندماج والقبول يجب أن يكون محكوماً بمبدأ المصلحة القصوى والاستفادة العاقلة !
إننا مالم نخضع الحالات الطارئة والجديدة في حياتنا وحياة المجتمع للدراسة والمراجعة والتأصيل، فإننا لن نستفيد من كل هذا الكم الهائل للتقدم التقني والقانوني والإعلامي والعلمي، لا يجوز أن ندع المشاهد تمر أمام أعيننا مرور الكرام، فتحدث واقعة استثنائية وملتبسـة مثـلاً (كواقعة الاعتداء على الآسيوي وسط الطريق العام، وظاهرة الاعتداء بالسلاح الأبيض من قبل بعض الشباب على زميلهم وقتله، وظاهرة مفتين وفتاوى تويتر و...) وغيرها، مما لا يعد ولا يحصى، ثم يكون أقصى ما نفعله هو أن نعالجها قانونياً ونترك المعالجة الفكرية والأخلاقية لأعضاء تويتر يتصرفون فيها كل بحسب ما يفهم ويعرف دون تدخل منطقي عقلاني من قبل أساتذة علم الاجتماع والسياسة والإعلام ومشايخنا الأفاضل !
بعض القضايا لا يجوز أن تترك للاجتهاد ، بعض الظواهر تشكل حجر زاوية في البناء التربوي والأخلاقي للأفراد، وهذه تحتاج توجيهاً علمياً وتأصيلاً ورأياً دينياً صحيحاً حتى لا يبني الناس ردات أفعالهم واستجاباتهم على آراء من ليس له صلة بالعلم الحقيقي وما أكثر المفتين والمتحفزين للاجتهاد على تويتر، بينما يقول الله في كتابه الكريم (اسألوا أهل الذكر ..) أي أهل العلم، الذي يجيز لهم الحديث في أية مسألة وكأنهم يتحدثون باسم الله، وهؤلاء حتماً لا يكونون على تويتر، وإن كانوا غلبهم أهل اللجاجة والصوت العالي ووكلاء الجهل العامون !
نحتاج أن نقرأ ونسمع لأساتذة العلوم المختلفة رأياً فيما يحصل وبشكل مستمر ومواكب للأحداث، فلدينا أساتذة في السياسة وعلم الاجتماع والقانون والدين والفقه والصحافة، وهؤلاء نجدهم يغيبون عن الساحة الإعلامية الرسمية، التي صار يتصدرها أشخاص من خارج المجتمع، إما أن يتحدثوا فيما يعني بلدانهم، وإما أن يتحدثوا في أمورعفا عليها الزمن، هناك قيود واعتبارات تحكم هؤلاء، لكن العلم باحتياجات أي مجتمع ومهمة تنوير أفراده، والإضاءة على القضايا والزوايا الطارئة تقع مسؤوليته أول ما تقع على مثقفيه وأبنائه بطبيعة الحال.
إن مهمة التنوير مسؤولية أولاً ودافعة لحيوية وحياة المجتمع وهذا ما نطالب به !



ayya-222@hotmail.com