لي صديق كوني، أوروبي المواطنة، تتقاسمه بلدان عديدة في العرق، هولندي الأصل، يهودي الديانة، يستوطن سويسرا، أولاده متزوجون من ديانات شتى، في مدن شتى، متبنٍ أيتاماً مسلمين، ومسخر وقفاً لهم، ولمدارسهم، ولطبابتهم، ورعاية أسرهم، يعد من أفضل خبراء السجاد في العالم، قضى خمسين عاماً في هذه المهنة الأرستقراطية، له أصدقاء من كل الملل والنحل، يتقن لغات عدة، يعني ما تعرف من وين يمكن أن تمسكه، شعاره: الخير هو الدين دائماً، زارني مرة، وهو حين يزورني يذكرني بالساعات السويسرية الدقيقة، ويحاسب على الدقيقة، ويعشق الأرقام كمصارفها السرية، ولأنه هكذا احتطت له قبل زيارته التي أخبرني عنها منذ شهر وثلاثة وعشرين يوماً بالضبط، طبعاً أنا نسيت، المهم .. وصل الإمارات، فأصبحت مرشداً سياحياً، فلطالما تمنيت ذلك بأريحية وبمجانية الهواية، والنفع بزكاة العلم، ولأن هذا الصديق من الذي يسأل عن “الحوّة وعروقها” ويريد أن يفهم كل شيء، ويمكن أن يصحح لك بعض أرقامك المرتبكة، فتحزمت له بمعلومات غنية، وثرية، بدءاً من حفظ خطوط الطول والعرض، والغلات المستوردة من أقصى آسيا، وحجم العمالة الهندية، ومقدار تصديرها للنقد بالروبية الهندية، ومعلومات عن بعض الشركات الجديدة في أبوظبي التي لا تعرف شغلها بالضبط، وكم تساهم في رفع الاقتصاد المحلي للإمارة، المهم “ما خليت لا حاثرة ولا باثرة” إلا ورتبتها في الرأس، متأكداً من مصطلحها الإنجليزي الأصلي، مش ترجمة فورية من الذهن العربي حين تكضنا الإنجليزية، يظل الضيف تائهاً في المعاني الجميلة بلا فائدة ترجى، المهم نشطت الذاكرة بمعلومات تاريخية، وأرقام اقتصادية أكرهها، لكنها تنفع مع أسئلة صاحبي التي توجع القلب، وتشعرني بالملل السريع، ترافقنا أنا وهو والسائق المخلص منذ سنين التعب، والذي يعرف بيوت أبوظبي أكثر مني، كان أول سؤال مخيب لكل آمالي عن سعر ليتر البنزين عندنا، فتلكأت، لأنني أكره أن يسألني أحد فجأة عن تحويل البوصة إلى سنتيمترات أو المتر إلى قدم أو الجالون إلى ليترات أو “سويره وبنتها كم تحتها”، ومن هذا القبيل، فلما لاحظ السائق عيني اليسرى تبربش وتومض على غير عادتها، تدخل شارحاً التفاصيل، والفرق بين أنواع البنزين، ومقارنة سريعة بين الأسعار في دول مجلس التعاون حتى شعرت بالحرج، لم يخرجني منه إلا أن هذا السائق هو الذي يهتم بالسيارات، وبالتالي كما قال: الجالون أربع ليترات، أما أنا مثل حال الكثيرين “صبّ بمائة أو عَبّي فول” والذي يرجع من “الفول” بركة، ثم انتقل إلى سعر ليتر الحليب والماء، ولماذا الديزل عندنا أغلى من البنزين، فقلت ليته سألني عن خرايف النخيل في العين، وأشهى الرطب، وأنسبه للتمر المدلوج أو الحسيل، وفكني من تلك الأسئلة اليابانية التي وفدت لنا بالتأكيد مع بداية تدفق النفط! وغداً نكمل..


amood8@yahoo.com