الذكرى العاشرة لرحيل أم مساء الخير.. إنني في المكان نفسه، أقف الآن أمام غرفتك، أمام باب كان يفصلنا عن رؤيتك، وليس عن حبك وبقايا لمسات لا تزال آثارها على مقبض بابك تحتضنها يدي. عشر سنين وأفتح الباب، ولا يزال مكانك يحمل مكانك، مثلي بشوق ينتظرك، كأنه يقول معي: أطلت الغيبة يا أمي. للمكان ذاكرة، وهذه الغرفة كانت تحتضن ذكرياتنا وتفاصيل تفاصيلنا وأحلامنا المؤجلة، فقط لو تعرفين وجع الذاكرة، عندما تنزفك. بعض اللحظات تبقى وتسافر عبر الزمن معنا، البعض يصنفها كبقايا ونحن نحسبها جزءاً منا، ليته يعود ذلك الزمن لأجلس للأبد بقربك، أمسح بقايا الغبار عن نظارتك، ألملم أشواقي في أحضانك، وأشكو كطفل وأحكي قصصي الساذجة وكل مغامراتي الفاشلة! من يسمعك في هذا الكون الصاخب سوى أمك. سألني صديقي مرة ماذا أفعل؟ و كيف أعبر عن حبي لأمي؟ قلت: قبل أن تنحني لتقبل يد أمك، تذكر أن هذه اليد ستدخلك الجنة! وبعد أن تنحني تأمل، لأنك تقبل الآن من قبلتك بحب مئات القبل! عروق وخطوط يدها، علامات حب تدل إليك، وشهادة سهر وتعب عليك أنت محظوظ، لأنك تملك من ضحى ويضحي بحياته لأجلك. من كل بساتين الوفاء أجمع وردة وأقدمها بإخلاص لها، أنثر عبير الوصال، قبّل جبينها بدموعك، وأعلم جيداً أن ماء الدموع لا يطفئ الشمس، لن توفيها حقها، لكن عليك المحاولة، وهكذا هي الحياة يا صديقي نقضي جلها لنرضي أناساً، ونفرح أناساً ونعشق أناساً. ماذا تفعل الآن؟ لماذا تستمع لي وأنا لا أملك غير الكلمات يا صديقي، الوقت يضيع من بين يديك فلا تضيعه معي، اسرق الوقت من وقتك واجرِ قبل الزمن لتلحق بأمك. مساء الخير ثانية يا أمي، تخيلي طفلك قد أصبح أباً وأبنائي يشبهونك، يملكون جذوة الأمل مثلك في عيونهم، وابتسامات ساحرة كابتسامة فرحك بنجاحي، يقول نزال: كيف غدوت أباً ولم أكبر! أصبحت مثلك يا أمي أفكر في مستقبلهم، وعندما كنت معك لم يكن للمستقبل وجود كنت تكفيني من التفكير بالمكان، وتغنيني عن مراقبة الزمان. نامي كما ينام العظماء، أعلم جيداً يا أجمل قصة في حياتي، أنه لن يكون هناك لقاء، لكني وفي ذكرى رحيلك أعزي نفسي بنفسي، وأتساءل متى سيكون ثانية اللقاء؟ في كل صيف.. تتضرع الصحراء للسماء.. ترتجي المطر.. وفي كل صيف لا يأتي المطر.. تتساءل مثلي الصحراء متى سيسقط المطر ؟ ما اسم أمك؟ سألني، قلت: شيخة فعلاً هي شيخة، قال لي. jamal.alshehhi@gmail.com