الدنيا ممر.. نحن الذين نسلك الطريق فيه، كلما نقَّينا الممر من الشوائب وزرعنا طريقنا بالعشب القشيب، كلما مشينا دون تعثر، واستنشقنا الهواء النقي، فتعافينا من التلوث وتمتعنا بالصحة الجسدية والنفسية والفكرية.
لا يستطيع الإنسان أن يعيش دون طريق، يزخر بالسعة، ويزدهر بالنقاء، ويفخر بالأريحية.. المزدحمون، بالأدران هم الذين يعيشون حياة الضيق، المبتلون بالتورم والتبرم، والتأزم، والتمزق، والتفرق، والتعلق بذات خضها الازدحام العاطفي والتشرذم في المشاعر.. وكما أن الملابس الضيقة تؤدي إلى الاختناق، فإن الأحاسيس المكتظة تولد الاحتقان، وعدم الاتزان، وخوض معارك طاحنة مع الذات المأزومة، والتبدد في حروب أنانية فجة ودامية، لا تفسح المجال أمام الإنسان في أن يخرج من شرنقة الذات، وبالتالي يقع فريسة هزائمه النفسية وتشققاته الذاتية، وانهياراته الشخصية، الأمر الذي يحرمه من القدرة على رؤية الواقع كما هو بجماله وكماله.. ففي الحقيقة لا توجد حياة دون منغصات ومكدرات وعقبات، وكبوات ونكبات ولكن، من يستطيع تجاوز هذه العثرات هم الأشخاص الذين خرجوا من غرفة الذات المظلمة، الذين ينظرون إلى الحياة، أنها دراجة لا يمكن أن تحافظ على توازنها إلا بالحركة.
الحركة في المدى الواسع، والقدرة على حفظ التوازن، هما السبيلان لاستمرار الحياة، حياة نابضة نابهة، عابقة بعطر النجاة من نار الهلاك الذاتي.. والمجتمعات هي النموذج الأوسع للذات الفردية، وعندما تتسع حداثة المجتمع ويستطيع أن يخلق أشخاصاً خارج الدوائر المغلقة يكون قد حقق مجد التطور والانتماء إلى الإنسانية.. ولا نجد مثل هذه النماذج إلا في مجتمعات قليلة وفي مقدمتها الإمارات.. البلد الذي أنجز ذاته الأكبر ضمن معطيات التطور، ومتطلبات التقدم، التي تحققت في غضون عقود قليلة لأن هذا المجتمع، هذا البلد الإمارات، استطاع أن يدخل المدى الإنساني بأدوات أخلاقية رفيعة المستوى، شاسعة المعنى، واسعة الدلالة، قوية المبادئ، صلبة الإرادة، وثيقة الصلة، بنظام الكون الأشمل.. إذاً الإمارات التي رتبت ممر الدنيا، بقيم التسامح، وشيم المساواة، وقانون العدالة الإلهي، استطاعت أن تدخل فلك النجوم وتدور حول المجموعة الشمسية، بحرية وطلاقة وبلاغة ونبوغ، لا مثيل لطريقتها في إدارة الحلقة الاجتماعية، الممتدة من الفرد حتى المجتمع، البادئة من الحاكم والمنتهية عند المحكوم.
إذاً فلا عجب أبداً عندما يرتفع الصوت الإماراتي، هاتفاً بنبرة واحدة، قائلاً أنا إماراتي.. وأفتخر.. الفخر هنا بالنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي المؤسس لكل هذه المنظومة الإنسانية في مجتمع متآلف.. ومتجانس.