مجالس الرجال، كما كانت في السابق بدورها وأهميتها ورجالها ومكانتها واستمراريتها، غابت، ولم يعد لها وجود اليوم، ولم نعد نسمع عن هذه المؤسسة التربوية الشعبية شيئاً اليوم، باستثناء بعض برامج الأنشطة والفعاليات التي تعرف جيل البلاي ستيشن والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ما معنى “مجلس”، وكيف كان، وما شكله، ومن يجلسه وكيف يدخله، وماذا يفعل عند دخوله، ومن سيجد بداخله، وعلى من يبدأ بالسلام، وكيف يسلم، ومتى يقف ومتى يجلس، وماذا يسمع، ومتى يتحدث، وإذا تحدث بمحضر رجال ماذا يقول، وكيف يقول كلمته، وأين يجلس، وكيف يجلس، ومتى ينصرف، وكيف ينصرف، وخلف من يمشي؟، أمور كثيرة وعديدة لم يعد يعرفها فتى اليوم، الذي انشغل وأشغله الإنترنت، والألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وبات يلهث خلف الرفاق بالمقاهي والمراكز التجارية، أو في جلسات خاصة بعيدة عن عيون الرقيب والمعلم الناصح الحريص على فلذات أكبادنا، فكل جلسات شبابنا اليوم بعيدة عن أعين ذويهم، بل لايعرف البعض شيئاً عن أبنائهم، أين يذهبون، ومع من، وماذا يفعلون، ويتعلمون؟، فالبعض قد لايعرف المرحلة الدراسية لابنه!!. كل شيء اختلف والعولمة جرفت كل شيء جميل من الزمن الرائع، جرفت العادات والتقاليد والسنع من نفوس أطفالنا، وساعدها الأهل على ذلك، فغاب الابن عن مجالسة والده وأقاربه الرجال، وبات يستعر من الجلوس إلى مجالس كبار السن، وإذا جلس عنوة، ومجبراً لا مخيراً انشغل بما بين يديه من أجهزة ذكية يحلق بها في الفضاء الرحب بما وسع، فتحمل إليه كل ما في هذا الفضاء من خير وشر، فيكون حاضراً بجسده في مجلس الرجال الغائب عنه في حقيقة الأمر، ليخرج منه بخفي حنين، وإن حصل ذلك فلن يكون أكثر من مرة في العام. ولأننا في دولة تعرف معنى الهوية والتربية وتقدر التلاحم والتواصل، وتبجل العادات والتقاليد العربية الأصيلة، بل تقوم مبادئها عليها، استشعرت القيادة الرشيدة هذا الخطر المحدق الفتاك بالنشء، وأحست بأنه قد يسير بشبابنا وفلذات أكبادنا إلى مالا تحمد عقباه، ويوقعهم في شر أعمالهم، فكانت التوجيهات السامية بضرورة العودة إلى الأصل، والصواب، وعادة الآباء والأجداد، والسير على خطى الأولين الخيرة، والتعلم من حكمتهم التي شيدت لنا أفضل الدول، وبنت أمجد الحضارات، وتركت إرثاً نتفاخر به بين الأمم والشعوب، فكانت التوجيهات بعودة مجالس الأحياء، مجالس السنع والتربية الحق إلى المجمعات السكنية الجديدة التي تقوم لجنة مبادرات رئيس الدولة بتشييدها، لتكون تلك المجالس منابر ثقافة وعلم ومعرفة، يقدم فيها الآباء والأجداد خلاصة خبرتهم وحكمتهم ورؤيتهم للأبناء، وجيل الغد، لتخريج جيل متسلح بما وصل إليه العالم من تطور وعلم، ومحافظ على عاداته وتقاليده، ومدافع عن إرث آبائه وأجداده، وهوية وطنه. محمد عيسى | m.eisa@alittihad.ae