بودي لو أطرح هذا السؤال - على ما قد يثيره من مخاوف ـ على كل أم تبادر في صبيحة كل يوم لإرسال طفلها أو طفلتها إلى المدرسة: هل أعددت هذا الصغير أو هذه الصغيرة جيداً كي يحمي أو تحمي نفسها قدر المستطاع في مواجهة شبح التحرش بها أو به؟ لست ممن يحسنون الظن كثيراً بالعمالة الأجنبية التي تتعامل مع الأطفال، بعد كل ما نسمعه ونتابعه من جرائم وتجاوزات، الجزء اليسير منها يصل إلى الإعلام وما لا يصل أكثر بكثير، وهو ما يتم تناقله وتداوله بين الصديقات والأمهات وعبر قنوات تناقل الأخبار غير الرسمية، إن ما يرتكب في حق الأطفال خطير جداً وأول من تقع عليه مسؤولية الحماية هي الأسرة والأم على وجه الخصوص والتحديد. يقول علماء التربية إن الطفل في سن الخامسة يفهم ويستوعب تماماً كل ما تلقنه إياه أمه أو بيئته القريبة من أمور حياتية، ولذلك فإن من واجب كل أم أن تلقن ابنها أو ابنتها في فترات التقارب الحميم، أثناء اللعب معاً أو الاستحمام أو الاغتسال معنى أن يحافظ المرء على جسده باعتباره ملكية خاصة، غير مسموح لأحد بلمسه أو الاقتراب منه أكثر مما يجب، وتحديداً أولئك الأشخاص الذين يصنفون على أنهم غرباء، أو ليسوا من دائرة الأسرة، ليكن ذلك تدريباً صباحياً يعتاد عليه الطفل ويأخذه بجدية كاملة، وعلى الأم أن تصف وتشرح لطفلها أوطفلتها هذه تفصيلات، هذه التحرشات بما يناسب عقل الطفل ويحميه طيلة العمر. هناك أكثر من طريقة للشرح ووحدها الأم تستطيع أن توصل المعلومة لصغارها، لأننا باختصار نعرض أبناءنا مضطرين للتعامل اليومي مع بالغين وغرباء، ثبت بأكثر من طريقة أنهم يعبثون مع هؤلاء الصغار بما يضر بهم وبما يؤثر في نفسياتهم، وبما يجعلهم يخجلون من الإفصاح عما تعرضوا له، لأنهم لم يتربوا ولم يجهزوا نفسياً وتربوياً لمواجهة هذه المواقف مسبقاً، وهنا فإن علينا أن نتوقف عن انتظار دور تربوي من التلفزيون، حيث إن مسؤوليه منشغلون بأمور أكثر أهمية على ما يبدو، لكن ذلك لا يسقط مسؤولية الأم أولاً وأخيراً. عليها أن تعلم أن هذا الصغير يتعامل مع سائق الباص وعامل البقالة والخادمة في المنزل والسائق والمزارع، ولابد أن يوجد أحياناً في غياب الأم مع عمال الصيانة في المنزل أوعمال من أي نوع آخر، ناهيك عن التلاميذ الأكبر منه سناً في المدرسة والأماكن المختلفة التي يتلاقون فيها، وكم تشكل بيئة خصبة لمثل هذه التحرشات التي نسمع عنها، وعلى الرغم من لجوء بعض المدارس لكاميرات المراقبة، إلا أن هذه الكاميرات لن يحملها الطفل على كتفه أينما ذهب. إن ما يمكن أن يحميه ويصونه هو المعرفة والتربية والمكاشفة الواضحة، لابد أن يعرف بالتدريج والاستمرارية أنواع التحرشات ومعناها وطرقها ومن هم غير المسموح لهم بلمسه، وكيف يدافع عن نفسه إذا حدث شيء من ذلك، وأهمية أن يبلغ أقرب الكبار إليه سواء في المدرسة أو المنزل، وغير ذلك، إن ذلك جزء من حقوق الطفل التربوية والأمنية، التي تحتمها أمانة التربية أولا، وتنص عليها اتفاقية حقوق الطفل، وعلى الأمهات أن يتعاملن مع التحديات التي تواجه أطفالهن بصرامة وجدية، وبعدم إهمال وحسن ظن أكثر من اللازم فأطفالنا يدفعون ثمناً مكلفاً وهم صامتون أحياناً للأسف. عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com