شكل جديد يقدمه الداعية الإسلامي معز مسعود هذا العام في برنامجه (خطوات الشيطان)، الذي يأتي في شكل مشاهد درامية، بعد عرضها يتحدث الرجل عن مغزى معين من الحلقة وكيف يؤثر الشيطان في حياتنا ويتدخل فيها، وكيف يمكن أن يتغلب كل شخص على شيطانه وصولاً إلى فهم فكرة إبليس والإبليسية، ودورها العميق في هدم القيم والمثل النبيلة، التي جاءت الديانات جميعها لتكريسها. وجاء الإسلام للارتقاء ببشرية الإنسان إلى مستوى النفخة الربانية التي أودعت فيه ليستحق خلافة الله له على الأرض، يكسر هذا البرنامج الأطر التقليدية للبرامج الدينية التي اعتاد التلفزيون على إنتاجها وتقديمها منذ ظهوره في العالم العربي!
هذا الشكل المختلف والبعيد عن التأطير التقليدي، والذي يقدمه داعية شاب بشكل عصري متمكن من لغته ومن تفاصيل الدين وآيات القرآن، والأهم صاحب الرؤية العميقة والقراءة الإيمانية النفسية السليمة، التي يؤصل من خلالها معز مسعود حكاية الإغواء الشيطاني للإنسان، حيث تقوم فكرة الشيطان كلها على قضية الغواية (فبعزتك لأغوينهم ...)، المرتكزة أساساً على نقطة الخلاف الأولى بين الشيطان والإنسان في قصة الخلق الأولى (خلقتني من نار وخلقته من طين)، وقصة الطاعة والمعصية (إلا إبليس أبى ...)، وقصة اللعنة (وإن عليك لعنتي..)، والاستخلاف (إني جاعل في الأرض خليفة..)، وغيرها من الثنائيات المتناقضة التي كانت كلها لصالح الإنسان ضد الشيطان!
يبتعد معز مسعود عن الشكل الوعظي المباشر (مع احترامنا وتقديرنا لكل الشيوخ الأجلاء)، ليقترب من جوهر الفكرة، فكرة الغواية الشيطانية التي تهدف إلى هدم أنبل القيم، فيصل بنا إلى أعمق أعماقها، مقدماً لنا نماذج من تشكلاتها وصورها التي نواجهها ونعيشها ونعانيها، دون أن نربطها بالشيطان بقدر ما نقرنها بالظروف وتبدلات المجتمع والمادة والسياسة، وتأثيرات الكذا وانعكاسات الكذا، حيث إن هذه (الكذا) في الحقيقة لا تعد ولا تحصى!
في حلقة الأمس الجمعة، تحدث معز مسعود عن دور الشيطان في اختراع الطريق الشبيه بطريق الدين والخير، فهناك دائماً أناس يتكلمون في الدين وما هم من الدين في شيء، يحفظون ظاهر القرآن والحديث، يلبسون لباس العلماء ويفعلون ظاهرياً كما يفعلون، يجدون الكثير من الأتباع، لكنهم باسم الدين وحفظ النصوص وتطبيقها ينفرون الناس من الدين ويجعلونهم يربطون بينه وبين الإرهاب والقتل والتخلف، فتسمع من يقول اليوم من بين الشباب لا تحدثوني في الدين، أو لقد كرهت الدين بسبب هؤلاء، إنه أحد الطرق الشبيهة التي تحقق للإبليسية غايتها القصوى!
إن الأصل في الأشياء الإباحة، وفي الدين اليسر، وفي الشريعة المصلحة، لكن أشباه أهل الدين يعكسون كل المعايير، وتصير قراءتهم للنص مبنية على التشديد والتزمت والتنفير، والأزمة عندنا ليست في النص ولكن في فهمه بشكل صحيح، وهذه مهمة أهل الذكر والعلم وليست مهمة كل من قرأ نصاً، أو حفظ حديثاً وصار محدثاً وواعظاً، فحتى أهل الفن والرقص والمغنى جيء بهم ليصيروا علماء للناس ذات يوم!


ayya-222@hotmail.com