حين نتحدث عن مناظرة سياسية بين مرشحين رئاسيين في سباقهما نحو رئاسة مصر، فإننا نتحدث عن تقليد سياسي لم تعرفه مصر يوماً، ولم تعرفه المنطقة العربية ابتداء، وإقراره في الواقع العربي سيغيره كثيراً بلا شك، كذلك فإننا نتحدث عن تغيير جذري في قواعد اللعبة السياسية المعتمدة على ترويج الوهم والكذب السياسي المبرمج، الذي جعل الديمقراطية لقباً فخرياً لا أكثر مصر ابتداءً من ليلة المناظرة لم تعد مصر التي كانت - سياسياً في المرتبة الأولى - فهي البلد العربي الوحيد والأول الذي تجرى فيه مناظرة رئاسية – على بدائيتها – يحاول فيها طلاب الرئاسة كسب ود شعب ظل خارج نطاق التغطية السياسية، فلسنوات طويلة جداً كان المصريون بلا حول ولا قوة إزاء نظامهم السياسي، إذا جاء الرئيس هتفوا عاش الرئيس، وإذا مات الرئيس صرخوا مات الرئيس، وبين مجيء رئيس وموت سابق تلاشى عنفوان مصر ودورها الريادي لأسباب لها جذر رئيسي بديناميكيات الفعل السياسي أولاً وقبل كل شيء.
في الكلام عن المناظرة تفاؤل كبير كما قد يبدو للبعض، وفيه تضخيم للظاهرة كما قد يرى آخرون، لكن أحداثاً تاريخية بعينها – كالثورة – وخلع الرئيس - والمناظرة... – لابد أن تُقرأ وفق منظور رؤية واسع وبعيد وشامل، لنتمكن من حصر كل العوامل والمؤثرات، أما القراءة المتعجلة والبسيطة والتهكمية فلن تقودنا لأي منتج فكري من أي نوع، علينا أن نقرأ الحدث بمعايير سياسية دقيقة مستخدمين النظريات والإرث الإنساني المعرفي بعيداً عن الشخوص والبرامج الانتخابية وأداء المرشحين في المناظرة، فهذه حكاية أخرى.
مصر تبني جمهوريتها الثانية، وقد قررت أن تكون مختلفة عما كان سابقاً منذ العام 1952، فـ25 يناير 2010 تاريخ فاصل بين جمهوريتين وذاكرتين ومشهدين، وإصرار مصر على خيارها سبب أساسي في كل ما تتعرض له من الخارج من تآمر، وفي الداخل من تحديات وإشكاليات على جميع المستويات، مصر مصممة على إكمال الطريق لأن هناك عقلاء ومفكرين ومخلصين ومصريين حقيقيين لا يريدون لفرصة الثورة ومكتسباتها أن تنفرط من بين أيديهم، فهكذا فرص لا تتكرر في عمر الشعوب بالسهولة، ومناظرة ليلة الخميس واحدة من أكبر تجليات هذا التصميم.
لم يكن أداء المرشحين لرئاسة مصر بالمستوى المطلوب خلال المناظرة، لم تظهر الخلافات الفكرية والإدارية كما يجب، لم تتضح نقاط الاختلاف بشكل يسمح لتحديد الموقف منهما، ونقاط الاختلاف أو الخلاف لا تتعلق بموقعهما من النظام والمعارضة، وفيما إذا كان أبو الفتوح إخوانياً أو عمرو موسى من فئة الفلول، فهذا تاريخ اجتهد كلاهما في النبش فيه كل لصاحبه على طريقة المعايرة والهجوم، الاختلاف الذي يهم الناخب يخص نقاط القوة في البرنامج الانتخابي، وعلى أي المجالات سيركز، وبأية أوراق سيلعب؛ ليكسب جولات الرئاسة.
حين تحدثا عن الصحة استخدما جملاً إنشائية لا تحديد فيها، وحين تحدثا عن إيران اعتبرها عمرو موسى بلداً عربياً، وحين تحدثا عن مستحقات الرئيس قال أحدهما كلاماً حالماً، بينما أمعن الآخر في مثالية عروة بن الورد الذي سيتبرع بغنائمه للجمعيات الخيرية، كان همهما أن ينبشا في الماضي ويفضحا بعضهما فيما يخص المواقف، تلك ديناميكية لكنها ليست الوحيدة التي تستحق الاستشراس والاستعداد، أخيراً، فقد يخسر الرجلان لكن مصر ربحت بالتأكيد، فالمناظرة ليست سوى خطوة في طريق الديمقراطية الطويل.


ayya-222@hotmail.com