لقطة من الشارع تنقل تفاصيل مسكوت عنها، تتنقل هذه اللقطة في ظرف دقائق بين أكثر من مئات الأجهزة، تخترق القيود التي يمكن أن توقفها لتعلن عن موقف تصحبه تعليقات كثيرة.. تسجيل فيديو يلتقط حدث لمتهور في الطريق، لحادث هرب صاحبه، لمتعجرف يرتكب حماقة من دون أدنى ذوق أو احترام للناظر وللعابر، سلوكيات دخيلة على شعب مسالم في طبيعته ومحب للخير ومتآخٍ مع الجميع، ومتعاضد مع الضعيف، تسجل الكاميرا الصغيرة، وهي بين أيدٍ أمينة لم يروقها الفعل المتعجرف، والاعتداء بالضرب على إنسان في الطريق بكل برودة دم وقلة احترام للمارة، يخدش البصر والشعور والفكرة الجميلة. وهنا عند الحدود المفتوحة والخبرة القليلة والتهكم المستمر من حراس الإعلام التقليدي، يمضي الإعلام الجديد؛ هذا الإعلام الذي انبثق من مواقع “التواصل الاجتماعي” التي أطلق عليها تالياً “الإعلام الاجتماعي”، وبأكثر دقة يمكن أن نطلق عليها “الإعلام الشعبي الجديد”، يمضى هذا الإعلام في وضع بصمته على المشهد، ويحقق نتائج إيجابية على مستوى واسع، مثل تحريض السلطات على التدخل في كثير من الأحيان لوقف ممارسات سلبية وعدائية، وتغيير مسار حدث وفكرة ومشروع، والقبض على متعجرفين ظنوا أنفسهم فوق القانون، وأنهم فوق الطاولة دائماً، يفعل هذا الإعلام ما لم يفعله الإعلام التقليدي منذ أزمان بعيدة؛ يضع هذا الإعلام الفعل في موقع الحدث، ويسلط ضوء أقوى من مؤسسات إعلامية بأكملها؛ أحدث هذا الإعلام وما زال زحزحة كبيرة في المشهد الإعلامي السائد الذي كُرس دائماً من أجل الممول، اخترق المشهد، وأسقط حكومات، كشف ما كان مخبأ ، فضح الأسرار التي تتحكم في مصائر الدول والشعوب، عرى المدعين بالنزاهة والشفافية والديمقراطية. فبين يد ويد، بين نظرة ونظرة، بين صورة وتسجيل وكلمات، بين ألوف الأيادي، بين ملايين الأيادي يسكن الناقل الصغير للأخبار والصور والأحداث، تمتزج بين هذا الكم الهائل للمعلومات، بين صحيحة وكاذبة، بين إشاعة وحقيقة. صحيح أن هذا الكم الهائل من المعلومات والأخبار المتناقلة عبر هذا الإعلام الشعبي الجديد بحاجة إلى فرز إلى عين ثاقبة متمرسة ومهنية، والتي يوجد أغلبها في ذلك الإعلام القديم الذي يمر معظم محتواه في الفلترة قبل عملية النشر أو البث؛ إلا أن ما يقدم عبر ذلك الإعلام الشعبي الجديد أكثر قوة وتأثيراً، على الرغم من عشوائيته وفوضاه التحريرية وعناصره الخبرية الناقصة؛ فالتأثير والنتائج الإيجابية التي يحصدها الخبر هو جل طموح المحرر والصحيفة والإذاعة والتلفزيون. في الوقت الذي يدور فيه الحديث عن التنافس بين الصحافة المطبوعة والصحافة الإلكترونية والبساط الذي يمكن أن تسحبه الصحافة الإلكترونية عن الصحافة الورقية، نجد أن الإعلام الشعبي الجديد بدأ يدخل المنافسة أيضاً، وهو في طريقه إلى أن يسحب البساط من الاثنين، ليدع لهما متابعة ما ينتجه من أخبار وصور و تسجيلات، يدع له هامش المقابلات والحوارات والتحقيقات والمقالات، ويمضي هو بالخبر شاقاً الطريق لنفسه بلا منازع. من هنا نقدم التحية لهذا الإعلام الشعبي الجديد الذي يفعل (خبريا) ما لا تستطيع فعله أعتى المؤسسات الإعلامية، فيا من تراودك رغبات أن تتجاوز الحدود احترس، فهناك كشاف إعلامي هائل قادر على رصد الأخطاء إن ارتكبت، والحث على تصحيح الأخطاء. saad.alhabshi@admedia.ae