إعلامنا العربي الذي في مجمله كان يرتدي عباءته الرسمية، ويسير بخطوات مراقبة، ظل عمره الطويل يحبو متعثراً أو يخطو مرتبكاً، وإن أراد أن يتجمل بين حين وحين أو ينهض إذا ما صادفته هبّات من تغيير داخلي بفعل جهود وطنية مخلصة، ولكنها محكومة ومحاسبة على درجات التحريك، وعدم الثبات، ففي التكلس الرسمي منافع بلا أخطاء، وفي الحركة جنوح غير محسوب العواقب، تبعاً لسياسة المشي ببطء، ولو للوراء جنب الحائط، أفضل بكثير من مشاغبة وتجربة جديدة خارجة للتو من وهج الشمس، فليست كل الرياح تأتي مواتية لمراكب الأنظمة الموجهة، لذا كان الإعلام العربي في أكثره يدور في فلك النظام وتوجيهاته وتوجهاته، تغذيه شرور النفوس الطالبة ملكاً في الأرض، وظلاً فيها، وسلطة تكاد تربط بقدسية النصوص، وطهارة السماء، والساعية ببطانتها للسطو والفساد وتعميم الجهل بين الأفراد لسهولة انقيادهم، وليست قيادتهم، توجهات كانت تصب في مصالح غير الوطن، ويراد بها تكريس حالات الفزع والخوف لدى المواطنين، ومرات بدافع خلق وهم المقاومة والصمود والتصدي، إعلام غير مرئي إلا في حالات تبرير الفشل، وتقنين السرقة، ومداعبة أحلام الناس بالوهم، هكذا خلقته الأنظمة، فهو نتاجها، ومن صنع يدها التي كانت "مطلوقة" في نهب المقدرات الوطنية، بعيداً عن التخطيط والتنمية وصنع المستقبل لأجيالنا العربية المقبلة، إعلام كهذا لا يتوقع منه إلا أن يكون قرعاً لردات الفعل، بعيداً عن التأثير والفعل، لذا كانت صدمته بالتغيير كبيرة، أفقدته ما تبقى من عقله الصغير، والموظف بطريق العصا والجزرة، وبالتالي متوقع له أن يكون أول المنهزمين، لأنه كان يقف على أرجل عملاقة، ولكن من خشب، فالرجال تخلق الرجال لكي يكون صداً إذا انقلب الحال، وهجم الجزع، ولا تصنع شبه رجال من خوف ومصالح يكونون أول الهاربين بسيقان من منفعة، فالأموال التي صرفتها الأنظمة على إعلامها وأبواقها في الخارج، دونما تخطيط أو بناء متراكم أظهرت ضعفه أمام أول تحرك حقيقي للأقدام في الشوارع، وبدا وهنه مع أول مشاغبة من أفراد متنقلين بحواسيبهم وهواتفهم الذكية عبر وسائط اجتماعية، كان ينظر لها من عل، وتعد من حركات الجيل المتغرب والمتأمرك الذي لا خوف منه، بعدما أنهك هو والأنظمة جيل المثقفين التقليديين، وأفنوا العمر في تفصيل مسميات من التخوين والمد الأحمر والتبعية وغيرها من كلمات بلاستيكية كان يمضغها الإعلام الرسمي أمام الجماهير الغفيرة والمحتشدة والجاهلة، قالباً فعل المثقفين الوطني إلى عمالة تتبع مجهولين في الخارج، لذا رأينا في أيام العرب الخوالي كيف يأمر رئيس بزج مثقفي ونخبة البلد في السجون المتفرقة، كل يحمل صليب خيانته، في حين نشرة الأخبار الرسمية يتصدرها شريط صور الرئيس لساعات وهو يفتتح جسراً بني بصفقات من الفساد لأعوام كادت ألا تنتهي!


amood8@yahoo.com