الجلسة الرمضانية التي نظمها نادي دبي للصحافة، بحضور جمع من أهل الإعلام والثقافة، كانت على جانب كبير من الضرورة؛ لأنها تبحث في مفاهيم نحتاج جميعاً بين الفترة والأخرى إلى أن نتشارك في الحوار حولها.
بعضنا يريد أن يفهم، وبعضنا يريد أن يعرف، وبعضنا يود أن يسمع رأي أهل العلم والذكر الحقيقيين المهتمين بتأصيل العلم وإرجاعه إلى منابعه وأصوله قبل أن يقولوا أو يتحدثوا، خاصة ونحن في عالم غلبت عليه سمة التسارع في كل شيء، وما عاد للإنسان وقت أو حتى رغبة صادقة في البحث والتيقن والتأكد.
صار معظم الناس يتلقف كل ما ينشر ويأخذه كحقائق أحياناً، أو يعيد نشره لقطاع عريض من الناس، دون أن يتثبت من هذا الذي يقوم بنشره، وللأسف فبعض هؤلاء إعلاميون يعرفون أصول وقواعد الخبر والمعلومة الصحيحة!
لقد انتظم عقد الجلسة بحضور أسماء مرموقة من أصحاب الاختصاص، وهذا أمر مهم، وكان عنوانها لافتاً للبعض “الفتاوى التويترية “، نعم الفتاوى التي بدأت تنهال علينا يومياً عبر “تويتر” موقع التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية، وخاصة في الإمارات.
هذه الفتاوى لو نظرنا إليها بمعيار العلم والفقه وأصول الاجتهاد والاستنباط لوجدناها لا تمت للدين بصلة، فليس كل من ارتدى زي رجال الدين صار رجل دين يحق له أن يتحدث نيابة عن الله فيفتي ويحلل ويحرم.
ولو نظرنا إليها بمنظار القيم والأخلاق والسياسة والإعلام لوجدنا الكثير منها، إن لم يكن معظمها، مدعاة للسخرية والضحك والاستغراب، وربما هذا ما دفع بمحطة الـ(cnn) الأميركية إلى نقل إحدى هذه الفتاوى وتحويلها إلى نقاش عام، تلك الفتوى الغريبة التي قال فيها صاحبها: “إن تشغيل المرأة للمكيف حرام”.!!
“سباحة المرأة في البحر حرام لأن البحر مذكر”، و”يجب قتل شخصية الرسوم المتحركة ميكي ماوس”، و”الكوكاكولا حرام لأن الاسم يقلب اسم مكة ويسخر منه”، و”على المرأة أن ترضع زميلها في العمل ليحل لها أن تجلس معه دون حرج”، وغيرها من الفتاوى التي يستحق من يفتي بها أن تقام عليه دعاوى قضائية، وأن يحاكم لأنه يستهزأ بدين الله ويسخر منه.
هذه الفتاوى تنظر إلى الدين باستسهال واستباحة لحماه، وهي تنظر لعقول الناس باستصغار شديد، وهنا فإن الذين يقرؤون مثل هذه الفتاوى ثم يعيدون نشرها بخاصية “الريتويت” إنما يساهمون في إشاعة الخطر وتكريس السخرية من الدين والناس، وعليهم أن يتحملوا مسؤولية ذلك وأن يساءلوا قانونياً عليه.
إن آخر فتوى قيلت وكان لها صدى كبير هي تحريم السفر إلى دبي لما فيها من منكرات كما قال مطلقها، وهنا فإن هذا الرجل الذي تراجع عن فتواه بسبب الضغوط التي تعرض لها على موقع “تويتر” وربما بسبب التوبيخ الذي تعرض له من أطراف مختلفة، قد طال بفتواه واستباح عرض مدينة بأكملها، بأهلها ومقيميها وعائلاتها الكريمة وحكامها ومصالحها ونسائها ورجالها وشيوخها دون وجه حق وبمنتهى الاستسهال والاستخفاف، وكأنه يعبث كالأطفال، بينما هو يفتي، ومعنى أن يفتي أن يتحدث عن حكمِ أمرٍ من الأمور نيابة عن الله، وهنا يكمن الخطر العظيم.
كلنا مسؤولون عما نكتب وعما نقول وعما ننشر وعما نعيد نشره، ولذا كان جميلاً من نادي دبي للصحافة أن يخصص جلسته الأولى لموضوع بهذه الأهمية، والأجمل أن نتأمل جيداً، ونحرص على هذه الممارسة وفق قواعد المهنية والأخلاق، كي لا تتحول حرية التعبير في “تويتر” إلى فوضى تأكل الأخضر واليابس.



ayya-222@hotmail.com