كثيرون لا يرون في العولمة أو الثقافة المعولمة أو الثقافة الغربية العالمية أي خطر يذكر، يدعون بثقة أنهم قادرون على التصدي لها، وقادرون على منعها من اختراق سلم القيم ومنظومة الأفكار لديهم، الذين يقولون ذلك يستحقون الاحترام كثيراً، لكن أعتقد أنهم يبالغون كثيراً في تقييم وتقدير إمكاناتهم الثقافية إزاء العولمة أو الأمركة.
فلسنوات مضت، ظل موضوع العولمة أو الأمركة موضوعاً مثاراً للحوار والجدل والخلاف والاختلاف، لم يتفق عليه الناس بالمجمل، لكنهم اتفقوا على خطورة العولمة في قدرتها على اختراق البيئة الثقافية العربية، ليس لأن الثقافة العربية سيئة أو لا يعتد بها أهلها أو .. ولكن لأنها أصبحت في موقع المتقهقر في معركة صراع الحضارات، ولا يتقهقر عادة إلا المهزوم، بغض النظر عن مدى الحق الذي لديه ومدى الأخلاقيات التي يتمتع بها، لكن أينما تلتفت لا تجد للثقافة العربية حضوراً قوياً يعبر عن حاضر قوي بقدر ما يستحضر أمجاداً كانت فيما مضى من الزمان.
شباب اليوم حين يبحثون عن العالم، والرياضي، ونجم الكرة، ومذيع التلفزيون، وممثل السينما، ورائد الفضاء، والمخترع، والمكتشف، والمغامر والحائز جائزة نوبل وجوائز الأوسكار، وعن أرتال الكتب والنظريات العلمية وعن الأفكار الجديدة وصناع الموضة والفلاسفة، لا يجدون اليوم من بين الأسماء التي تعرض عليهم سوى تلك الأسماء القادمة على أجنحة العولمة من خلف البحار، من أميركا وأوروبا واليابان، إذن فكيف نتحدث عن إمكانية الوقوف في وجه تيار العولمة وأفكارها وهجمتها الشرسة؟
أولاً، لا بد من تأكيد أن ليس كل ما جاء من خلف المحيطات، من الغرب أو من الشرق هو خطأ أو خطر يتهددنا، فكثير من شبابنا قد فتحت لهم العولمة آفاقاً نحو حياة أكثر انفتاحاً، وكثير من مجتمعاتنا قد هيأت لهم العولمة وسائل عديدة لتجربة أنماط وسلوك وأساليب حياة وإدارة وقوانين غيرت حياة المجتمعات نحو الأفضل والأكثر راحة، فمما لا شك فيه أن المنهج التجريبي الذي أقرته أوروبا منذ عقود طويلة قد كرس لديها حالة الدقة والصرامة والموضوعية التي ارتقت بها وبعلومها وبثقافتها العامة.
نحن اليوم، في موقع الضعف ثقافياً، هذا الضعف حولنا إلى تابع ثقافي للأسف، ليس لقلة إمكانات ولا لانعدام عقول أو ثروات لدينا ولكن لأننا عطلنا فريضة التفكير والبحث وأهملنا فريضة الإتقان والجدية والعمل، وتناسينا أننا أمة اقرأ، فصرنا لا نقرأ ولا نكتب، كلنا نعرف ذلك، وبدل أن نسعى لتفكيك هذا الواقع للخلاص منه، فإننا جميعاً ومنذ قرون نتحدث عن المشكلة دون أن نقارب الحل أو نفكر في المخرج، لأسباب لا نعلمها، لكننا جميعاً نرجعها للمؤامرة الكونية ضدنا.
لماذا وقد صرنا أمة من الأساتذة في تفكيك نظرية المؤامرة وفهمها وتحليلها ووضع نظريات وكتب حولها لم نفكر في انتهاجها إذن؟ لماذا لم نتآمر على أحد كما يتآمر الكل ضدنا؟ وأضعف الإيمان، لماذا لا نوقف هذه المؤامرة طالما نعرفها بكل هذه الدقة ونعرف مصدرها وأسبابها؟ لماذا نسلم ونستسلم لها؟
الشباب سيظلون ينظرون لأبطال ثقافة العولمة على أنهم القدوة، والإنسان العادي سيظل يفضل المنتج القادم من ثقافة العولمة؛ لأنه الأفضل والأكثر حرفية وجودة، ولكن إلى متى؟ هل بقاؤنا “محلك سر”، يعني اعترافنا بأن العولمة هي الحل؟


ayya-222@hotmail.com