عرفان يخالطه قلق، حزن تشوبه البهجة، ترقب ممزوج بفرح، سعادة يملؤها الامتنان، خوف مشبع بالثقة، مشاعر متضاربة ما تكاد تقبض على إحداها حتي تفاجئك الأخرى بحضورها الطاغي الذي ما يلبث أن يختفي إلا ليظهر الآخر.. وهكذا. ما سبق كان إحدى محاولاتي لوصف المشاعر التي تنتابني الآن، ومنذ أسبوع، عندما تم تكليفي بمهام رئيس تحرير مجلة «ناشيونال جيوغرافيك العربية». يسألني البعض ما هو شعورك؟ فتعجز الكلمات عن وصف الحالة إلا بهذا الخليط المتداخل من المشاعر، لأن الأمر فوق القدرة على الوصف سواء بفرحه أو حزنه! في الامتنان حديث لا ينتهي لأني أحد أبناء هذا الوطن الكريم، لأني ابنة الإمارات، فيها عرفت معنى أن تكون مواطنا مكرما، وصلتني حقوقي الإنسانية في أفضل فرص التعليم والعلاج والعمل، كوني مواطنة في وطن يجزي إن أجدت، ويكافئ إن نجحت؛ امتنان يملأ كياني ويجعلني باستمرار قلقة لأكون أهلا له. وعرفانا لأولئك الرائعين الذين أكرمني الله بهم، فعلموني ووجهوني وشدوا على يدي، لأجد طريقي، فكانوا بإستمرار قناديل تومض فيه، تدلني وتحثني على الاستمرار. الإمتنان والعرفان والشكر لكل من ساهم بدون أن يعلم، لأثبت للجميع، بـ«أن لكل مجتهد نصيب». أما ما يخص مشاعر الحزن، فكون العلاقة التي تربطني بصحيفة «الاتحاد» تفوق المعني الرقمي لعقد ونصف من أهم سنوات عمري التي قضيتها بين مكاتب الصحيفة، وبين كل تفاصيل العمل في أوراقها؛ تفوق العلاقات الجميلة وحتى المرتبكة التي ربطتني بزملاء المهنة والتي أصبحت في بعضها علاقات أسرية؛ وتفوق كذلك الأيام التي امتلأت بالضحك والحزن والتحدي والانكسار والنجاح. ولأن العلاقة تفوق كل هذا، يبدو تصور تركها حدثا يستدعي الحزن، وأملي كبير وصادق في أن تبقى ولا يقطعها البعد المكاني. وأما الترقب والخوف من تجربة جديدة مختلفة تماما فيها من المهام والمسؤولية التي يبدو التأمل فيها فقط أمر جلل بالنسبة لي، فما بالك بالإشتغال عليها. كل الإثارة تكمن في محاولة فك تلك الخطوط العريضة من المشاعر التي تجدها في مناسبات مختلفة تحتل منطقة الصدر، تأتي بألوان متفاوتة، وتبدو في بعضها متناقضة، وفي فكها وتفسيرها متعة وإثارة قد تفوق في اثارتها المناسبة نفسها. فهل حاولت فعل ذلك مرة؟! ??? كحبات المطر المنهملة في نهار قائظ، كروح وليدة لم يمسها الوجع، كبدايات أشعة شمس لذيذة ظهرت للتو في يوم شتوي، تأتي البدايات الجديدة، محملة بالفرح والأماني والترقب والخوف، ونبدو نحن البشر نترجي الخير وندعو لله تضرعا أن يجعلها بدايات طيبة لمستقبل أجمل، وتبقى الأمنيات أمنيات، حتى تقترن بالعمل والجد؛ ولذا أجد في اقتران الأمر بالقلق والخوف أمرا صحيا للغاية، فالفرح حالة مؤقتة، قد تتبعها السعادة إن قلقت على عملك وأجدت فيه، وقد تلحقها التعاسة إن تركت العمل وأكتفيت بالفرح به. als.almenhaly@admedia.ae