عندما تكون الفكرة هي السوط والصوت يصبح الوطن أسير حالة مرضية، تسمى النكوص إلى مراحل ما قبل النضوج، الأمر الذي يحبط أي مشروع وطني، وأي تقدم وأي انتماء إلى وطن يشمل الجميع، بفئاته وشرائحه الاجتماعية والثقافية والعقائدية.. هذا ما تعانيه الآن، الأحزاب الأيديولوجية ذات الاتجاه الواحد، والسطوة الشيفونية البغيضة.
وهو الأمر الذي يخالف دولة الشعب، والوطن الذي ينضوي تحت لوائه الجميع، يجمعهم حب الوطن والانتماء إلى قيادة تمثل الجميع، وتبسط نفوذها من أجل مصلحة الوطن بكل مفاصله وفواصله.. فلا عجب أن تفشل دول الأيديولوجيات المقفلة، ولا غرابة أبداً أن تتهاوى جبال الرمل، وتتشقق جدران الطين، لأول وهلة، تواجه فيها مطالب الإنسان ومقتضيات تطور الوطن.. فمن لا يرى أبعد من أخمص القدم، لا يبصر ما يدور في الأفق من كواكب ونجوم وأقمار، لا يشعر أبداً بأن الكرة الأرضية تتحرك، وتدور دورة كاملة في اليوم حول الشمس.. الذين يغلقون الأبواب، ويجلسون خلف جدران معتمة، يجمدون الفكرة، ويطفئون أنوار الفكر، وينكفئون على أنفسهم إلى أبد الآبدين، ولو أن أوروبا ظلت على عماها، وأنكرت ما جاء به كوبرنيكس، لبقيت في بحر الظلمات فقط في سبات عميق، ولكن هذه القارة، بعد سنوات من التعتيم، وتقليم أظافر العلم، استيقظت على صرخة أبيلار الفيلسوف الفرنسي العتيد الذي نادى بحوار الأديان في كتابه المهم جداً «حوار بين ملحد ومسيحي ويهودي»، وكان الرجل يهدف إلى فكر إنساني يتلاقح لينمو عقل الإنسان باتجاه معرفة تؤسس لحلم كوني يُخرج الإنسانية من التقوقع إلى الانفتاح، يخرجها من الكراهية إلى الحب، يخرجها من أكفان الموت إلى بساتين الحياة.. وهكذا نمت أوروبا وتطورت، وأشعلت قناديل التطور في كل الميادين، لأنها اعترفت بصراحة أن التزمت لا ينتج إلا نعوش التشاؤم، والحقد على الآخر لا يسفر عنه إلا مذابح الفناء.. فيا ليت يستوعب المتطرفون عندنا، ويا ليتهم يفهمون أن الدين ليس رداء أسود وإنما هو نبراس نور، وناقوس حبور، وناموس حياة، وقاموس انتباه.. يا ليتهم يستوعبون أن الخطيئة الكبرى تبدأ من تعنت الفكر، وتورم الذات، وتكور الشمس في عيون الجاهلين بمعنى حب الوطن.. فأي فكرة أو عقيدة أو نهج لا يتجه نحو الوطن، فاعلم أنك ذاهب إلى جحيم النهايات المدمرة، اعلم أنك تخوض معركة ضد الحياة ضد الناس، ضد إرادة الشعب.. فكل الأفكار وسيلة وما الغاية إلا الوطن، فإذا فشلت الوسائل في تحقيق حب الوطن فاعلم أنها هراء في خواء.


Uae88999@gmail.com