شخصية نيلسون مانديلا ذات أبعاد مؤثرة، وهو محور التحرر لأمته من طغيان العبودية المفلسة، وهو المناضل ضد استبداد الإنسان وعجرفته، وهو الناهض بصوت الحرية إلى المدى الذي لا يضاهيه علوا حتى نزف الوريد حاملا المبادئ القيمة الراسخة المتأصلة، إيمانا منه بأن الجسد بالفناء يصاب ولكن تبقى تلك المبادئ هي جوهر الأمم ورمزها.. تبقى القيم وتتوارى القضايا، وربما تصبح ذكريات كامنة.. ويبقى منديلا الذي صنع جزءا مهما من تاريخ الحياة.. وها هو على وشك الخروج من نافذة الكرامة بعد ان فتح كل النوافذ الحياتية لوطنه وللعالم وحرره من مأساة العبودية، وقبله فعل الأمر نفسه المناضل لوثر كينج، وكذلك قاد الفيلسوف الهندي غاندي بريق النور والحرية لوطنه معليا رسالة السلم والسلام. ولا ينسينا التاريخ الإنساني نضال البشرية الذي يمتد عبر القرون والذي جسد معاني الحياة الحقيقية بعد توطيد مبادئ قائمة على أساسيات الدين والقيم والخلق الكريم، ورفع العبودية المقيتة عن سائر الخلق، فكانت رسالة النبي الحميد التي طوت نسيج الظلام ليشع النور جوانب الأرض ولتصدق النفوس بالإيمان.. هذه الرسالة التي عرّف بها الإسلام البشرية كيف تنبذ الظلم وتطمس الجهل وتقيم المعرفة والعلم في مقام العبادة، فعرفت البشرية بأن الظلام لا يشتد إلا حين يخيم على عقول البشرية. وها هو الزمن يعيد ظواهر التردي لتصبح خانقة ومتربعة على نفوس البشر، فالحياة بمرتكزاتها المختلفة باتت تسقط في معاناة جسيمة، وبات الإنسان أسيرا للمادة تجره مخالب الخوف والجوع والعطش، وتفترسه الحروب، وتصهره آلات القتل والشقاء وتبعات الذل، وتهيمن عليه سياسات المسخ.. فمهما علا شأن البشرية الا ان العبودية ما زالت تنخر في الجسد، فتنهض الشعوب لكي تتخلص من هذه العشوائية المتزامنة مع الصخب الذي يشتت القوم الواحد ويضيّع سبل الأمم، ما يعني أنها على مشارف التمزق والانهيار وكأن صوت الغاب بات يزأر في ساحات المدن ليجردها من سكينتها وخلودها، وليبث فيها الأسى والحزن ويقلب عاليها أسفلها دمارا وتصدعا لا يهدأ. هل من فجر متجدد للحياة؟ هل من نسق يورث الاطمئنان ويذهب الاستعباد والاستبعاد والاستبداد؟ هل من حرية حقيقية بعيدة عن الزيف والتنظير وغطرسة الأحزاب وصياغة مؤسسات تعصى على العبث؟ أحزاب الفوضى والفتنة لا تقيم اعتبارا للحضارة الإنسانية عبر العصور، فهي لها معتقداتها الخاصة وأجندتها السياسية المتعطشة لاستعباد البشر، بينما الإنسان بطبيعته يرفض التأطير الفكري والتمجيد الأعمى، يرفض التقييد والتفرد بالعقل، فكل هيمنة فكرية عقائدية تخرج عن نسقها الحقيقي تصبح محل رفض من البشرية المتعطشة للحرية والرخاء الفكري الحر والتي لازالت تفتش عن نهجها الانساني وسط خضم مضطرب وتجليات معقدة، لتسير نحو انبلاج النور وفضاء الفكر تموج في كيانات البشر وتسمو أمام رغبة الأوطان من أجل ان تكمل صورتها المتفردة في صياغة الحرية.. ولا يضير الألم أمام تجليات البشرية نحو تجديد القيم واتساع معالم الفكر.