صباح رمضاني معتق برائحة الصوم، مقند بنكهة فناجين الليل النبيل، منضد بالتسابيح والاستغفار، مصفد بعيون تغتسل بالآيات الكريمة، مطرز بأثواب النساء الغافيات عند تنانير الحياة، المشمرات عن سواعد حادبات دائبات، حاديات، منفلات، مجندات من أجل مساء يأتي بصوت الأذان، يشنف السمع، ببريق المغرب الفضي، بتألق الصغار الهاتفين، مرددين بصرح السماوات، بفرحة الطيور الطليقة في فضاءات الله.
مساء رمضاني، بلطف الأيام الجميلة، يرسم الشفق، لوحة تشكيلية، برونق الوجوه المهذبة إيماناً واحتساباً، وخشوعاً ونصوعاً.
رمضان في ذلك الزمان، طائر الحمام، بهديل اللواعج المشذبة، يرصع الإنسان بقلائد القرب، وصلة الرحم، والاصطفاف بأشواق العاشقين، المدنفين الوالهين للقاء واستسقاء، واستلقاء على أرائك الألفة الأصيلة، والاحتفاء بمساءات تضاء ببريق العيون العاشقة، ولألأة الوجوه المتأنقة، وضوء الأرواح، المبتهجة المبتهلة المتبتلة المرتلة آيات البهجة، انصياعاً لأيام الشهر المبارك، ولياليه الجارية مجرى الدم في العروق.
رمضان في ذلك الزمان، يأتي بأطباق الفرح، مبللاً بشهد اللقيمات، منفوحاً برائحة الهريس، ناضحاً بابتسامات اللواتي يملأن أوعية الحياة بالأمل.
رمضان في ذلك الزمان، وامرأة المعنى الجميل، وبخور ما بعد الفطور، وسُحر النظرات، مشفوعة بما عسعس به الليل، وتنفس القلب، وانبجس بلهفة وخفة الطير المشغوف لعش اللحظات القصوى، وذروة الانتماء إلى حِلة وجلجلة مجللة بالانتشاء.
رمضان في ذلك الزمان، وامرأة تدير المكان، بإتقان وإحسان وأمان، وامتنان، واطمئنان، وتغدق بالحب فناجين الشوق والتعرق، معطرة بابتسامة أنعم من جناح الحمام.
رمضان في ذلك الزمان، رجال يطوقون الموائد، بالبسملة والحمد لله، ويجمعون اللفيف على كلمة سواء، كما تستوي شجيرات النخيل في عقدها النضيد، يخاطبون بالحسنى، ويقرضون شعر المعلقات بشغف العشاق المخلصين، ويغردون أجنحة الحكايات والقصص، بشفافية رمضان وروحانيته الأصيلة.
رمضان في ذلك الزمان، يستدعي أشواق البعيد فيقترب، وينشد الدفء فيشعل قناديل اللقاءات الحميمية، ويتطلع إلى هواء طلق، فيدعو الناس للالتفاف حول مائدة الأفنية المفتوحة، والأبواب المشرعة، والقلوب المترعة بالحب، والوجوه الملونة بالابتسام والوئام والانسجام.
رمضان في ذلك الزمان، مولاته كانت منازل الناس، ومقاهيه، مجالس الرجال الوقورين، ومتنزهاته، أزقة مزخرفة بنياب الصغار وزقزقة حناجرهم الصغيرة.
رمضان في ذلك الزمان، كان كائناً، يزور الناس، فيستقبلونه بالصفح والمصافحة، والاستغفار والمغفرة، والإحسان وحسن الكلمة، يستقبلونه بتطهير القلوب من كل ضغينة وشجن. لم يكن صوماً عن الطعام وإنما عن الكلام الذي يفضي إلى عظائم الأمور.