ربما لو كرسنا القراءة في حياتنا كسمة عامة أو كسلوك جمعي، فربما نتخلص من جملة ظواهر، تميز طريقتنا في الحديث مع بعضنا البعض أو تسبغ الحوارات الثقافية التي تجري عبر منتديات الحوار الحقيقية، وتلك التي تتم عبر إعلام الإنترنت الجديد. أول هذه الظواهر غياب الحجة والمنطق عند أحد أطراف الحوار (قد يكون صاحب الرأي أو صاحب الرأي الآخر أو المختلف) فكثيرون يخترقون حاجز الصوت بسرعة مذهلة، لنقل بتسرع لا مبرر له ليتواجهوا مع صاحب رأي أو فكر معين، دون أن يستعدوا لتلك المواجهة، فتبدو لغة الحوار هابطة وغير متكافئة، ليس مطلوباً أن نمتلك لغة الجاحظ أو أحمد شوقي لكن لغة الإنسان البسيط المهذب ليست مرفوضة من أحد.
لتسمح لي إحدى القارئات باقتباس هذه الفقرة من ردها على مقال الأمس واقتباسي هنا يدلل على موافقتي لها فيما ذهبت إليه، تقول القارئة “.... بديهي أن يوجد بعض الأشخاص الذين يخرجون عن إطار الاحترام في التعاطي، لكن الطامة الكبرى حين يتبعهم “القطيع” وهو الأغلبية التي توافقهم بلا نقد لطريقتهم العقيمة وأسلوبهم المتدني في الحوار!”
“ذهنية القطيع” هي واحدة من كوارث إفرازات الواقع الثقافي والتربوي في عالمنا، فحين نتعامل مع الآخرين، حين نحاورهم، نختلف معهم، فإننا نفعل ذلك بطريقة ما، بشكل ما، بأسلوب ما، مستخدمين كلمات وإشارات وحجج ومنطق يخرج كله من عمق تكوين نفسي في داخلنا، تأسس عبر سنوات التربية الطويلة داخل بيوتنا، ومدارسنا وبين أصدقائنا، وعبر نوعيات الثقافة والقراءة التي تلقيناها أو نهلنا منها اختياراً.
تقول القارئة “..... نقرأ فكرة جديدة أو طرحاً راقياً لمثقف فنجد من البعض من ينبري لتسفيهه والطعن فيه ليس لتسفيه الرأي ولكن لتسفيه الشخص، مع توزيع الاتهامات الجاهزة سلفاً، فهذا المثقف لن يعدو كونه في نظرهم علمانياً، أو عميلاً، أو يسارياً أو قومياً أو ليبرالياً، دون التطرق إلى مناقشة الفكرة التي طرحها بشكل عقلاني! والأغرب حين لا يكون هناك ما يثبت تلك الصفات التي وصف بها صاحب الفكرة، أو على أضعف الإيمان ما يؤكد وبأي شكل من الأشكال أن كون الإنسان قوميا أو ليبراليا يعد تهمة !!
كل هؤلاء الذين يبدؤون بالهجوم بلا سبب ظاهر إلا ما كان مختبئا في أعماق النفوس، أو الذين يتبعونهم بلا أدنى تفكير، لم يتلقوا للأسف أنماط الاحترام الواجب اتباعها مع الآخر عند الاختلاف معه لا في بيوتهم ولا في مدارسهم أثناء نشأتهم، كما أنهم لم يتلقوا ثقافة منفتحة استيعابية، تستوعب المختلف والمعارض في الرأي والتوجه، هؤلاء لا يملون من تكرار السباب لمن يريد أن يفرض رأيه على الآخرين لكنهم وبدون وعي يمارسون الفعل الإلغائي نفسه، وهذه إشكالية ثقافية في مجتمعاتنا الخليجية والعربية لم تتصدى لها مؤسسات الثقافة وكثير من مؤسسات التربية وعلى رأسها الأسرة والمدرسة.
هذه الظاهرة تفرز نفسها يوميا عبر الجدل الدائر في الواقع وفي مواقع التواصل الاجتماعي التي تضم نخب المجتمع ومثقفيه، هؤلاء الذين يتركون لمجموعة من السفهاء فعلا، بينما أشخاص وشخصيات ومثقفين وصحفيين وكتاب يقفون متفرجين دون ان يشكلوا كتلة واحدة تقف كقوة ردع لمنع انهيارات أكبر في منظومة سلم القيم والأخلاقيات العامة، ما يشجع أولئك ويحبط هؤلاء وينذر بانهيارات أكبر وبانحسار الأمل في وجود مبادرات أهلية للارتقاء بقيم الاختلاف.


ayya-222@hotmail.com