استوقفني في حديث صديقة ذات تجربة ثقافية ممتدة لسنوات، وهي تشارك اليوم عبر فضاء الإعلام الجديد، كي تتواصل وتتصل وتصل إلى أكبر قاعدة جماهيرية ممكنة، ولكي يتمكن القراء من جيل الشباب الوصول إليها، ذلك حق مشروع وفرصة يتيحها هذا العالم الجديد بمنافذه التي لا تحد وبواباته الشهيرة في عالمنا العربي، الفيسبوك وتويتر، اللذان أصبحا يستقطبان صفوة ونخب المجتمع من المثقفين والمنتمين وأصحاب الفكر التوعوي الناضج والصحفيين والكتاب .. وكثير من الدخلاء.
استوقفني في حيث الصديقة قولها إنها أغلقت صفحتها على “تويتر” في وجه العموم وجعلت متابعيها من الخاصة والأصدقاء الذين اختارتهم وتعرفهم وتثق بهم وبنوعية تفكيرهم، بعيدا عن مسألة الاتفاق الفكري معهم أو الاختلاف، فهي لا تخاف من هذه المسألة أبدا، بل ترحب بها وتحترمها، كونها ذات عقلية ناقدة ومنفتحة وتمتلك منهجية موضوعية في التعاطي مع المسائل الخلافية تستحق الاحترام، مع ذلك فإن إغلاقها صفحتها على أشخاص بعينهم لا يعني منح هؤلاء امتيازا بقدر ما يعني منع المتطفلين من الدخول إلى فضاء وجد وتأسس لحرية الحوار وتداول الأفكار بأكبر قدر من الاختلاف لا بأس في ذلك، ولكن بأكبر قدر من الاحترام لا تنازل عن ذلك أبدا.
لا يمكننا أن نؤسس لذهنية الحوار المنفتح على الآخر اثنيا ودينيا وثقافيا، بكل ما يحمله هذا الآخر من حمولة ثقافية شديدة الاختلاف وأحيانا التعارض مع ثوابتنا وقناعاتنا إذا كنا لا نستطيع أو لم نتمكن حتى الآن من توليد جينات احترام الرأي الآخر فيما بيننا نحن أبناء البيئة الواحدة والثقافة الواحدة والمفترض أبناء البلد والحلم الواحد.
إن محاولة تسفيه الأشخاص المختلفين عنا لا يثبت شيئا للآخرين بقدر ما يدل على نوعية الثقافة الهابطة التي يحملها هذا البعض، ولا يدل على همة أو علة نسب أو علو شأن، بقدر ما يدلل وبوضوح شديد على نوعية التربية التي تلقاها هذا البعض ومستوى سلم القيم الذي يحمله، للأسف، فإن البعض في فضاء الإعلام الجديد يحمل السلم بالعرض ويمشي واثق الخطوة يمشي ... بلا بصيرة.
تقول صديقتي بأن ما تراه على مواقع التواصل الاجتماعي التي من أشهرها لدينا اليوم “تويتر” يقود إلى نتيجة خطيرة لا بد من دراستها وتحليلها، وهي أن مستوى أدوات الخطاب والتفكير لدى الإنسان والعقل العربي هابطة جدا، وأحيانا تدفع للاشمئزاز، وان نوعية بعينها من متعاطي “تويتر” يدللون على مدى سيطرة فصيل معين يحاول إما تشويه صورة المثقفين العرب بدفع البعض نحو تسفيههم ومهاجمتهم، وإما بث حالة من النفور والكراهية لدى هؤلاء المثقفين لهذه المواقع فيهجرونها حفاظا على أعصابهم وصورتهم وفي كلتا الحالين فإن النتيجة واحدة: القضاء على وجود المثقف في هذا الفضاء العام.
لم تسمح كثير من أنظمتنا بتأسيس فضاءات عامة في المجتمع يسهم فيها المثقف صاحب المشروع التوعوي التنويري بتحريك الحوار المجتمعي العام وبرفع مناسيب الثقافة والمعرفة والوعي بمسائل مركزية كالحقوق والحريات ومفاهيم المواطنة والحوار و.. الخ ، ولذلك فعندما أطلت هذه الفضاءات الإلكترونية قبلها المثقف كحل بديل يمكن من خلاله أداء أدوار جيدة، فإذا بعناصر مختلفة تحاول أن تقطع عليه الطريق بشتى الوسائل، ما جعل كثيراً من المثقفين في أكثر من دول يصرحون برغبتهم في مغادرة “تويتر” أو إغلاق حساباتهم الخاصة من الأصدقاء أو... وهي خيارات لن تكون في صالح إنماء الحوار والانفتاح الذي تشتغل عليه جهات في عمق صناعة القرار.


ayya-222@hotmail.com