رصد الجاحظ البخلاء رصداً طريفاً فتتبع نوادرهم بأسلوبه الساخر، ومن هؤلاء الشاعر أبو العتاهية، فقال الجاحظ: حدثني ثمامة قال: دخلت يوماً” إلى أبي العتاهية فإذا هو يأكل خبزاً” بلا شيء، فقلت: كأنك رأيته يأكل خبزاً” وحده؛ قال: لا! ولكن رأيته يتأدم بلا شيء، فقلت: وكيف ذلك؟ فقال: رأيت قدامه خبزاً” يابساً” من رقاق فطير وقدحاً” فيه لبن حليب، فكان يأخذ القطعة من الخبز فيغمسها من اللبن ويخرجها ولم تتعلق منه بقليل ولا كثير؛ فقلت له: كأنك اشتهيت أن تتأدم بلا شيء، وما رأينا أحداً قبلك تأدم بلا شيء. وقال الجاحظ: وزعم لي بعض أصحابنا قال: دخلت على أبي العتاهية في بعض المتنزهات، وقد دعا عياشا” صاحب الجس وتهيأ له بطعام، وقال لغلامه: إذا وضعت قدامهم الغداء فقدم إليّ ثريدة بخلّ وزيت، فدخلت عليه، وإذا هو يأكل منها أكل متكمّش غير منكر لشيء، فدعاني فمددت يدي معه، فإذا بثريدة بخل وبزر بدلاً” من الزيت، فقلت له: أتدري ما تأكل؟ قال: نعم ثريدة بخل وبزر. فقلت: وما دعاك إلى هذا؟ قال: غلط الغلام بين دبة الزيت ودبة البزر، فلما جاءني كرهت التجبر وقلت: دهن كدهن، فأكلت وما أنكرت شيئاً”. وكان لأبي العتاهية جار يلتقط النوى، ضعيف سيئ الحال متجمل عليه ثياب فكان يمر بأبي العتاهية طرفي النهار؛ فيقول أبو العتاهية: اللهم أغنه عما هو بسبيله، شيخ ضعيف، سيئ الحال عليه ثياب متجمل، اللهم أعنه، اصنع له، بارك فيه، فبقي على هذا إلى أن مات الشيخ نحواً من عشرين سنة، ووالله ما تصدق عليه بدرهم ولا دانق قط، وما زاد على الدعاء شيئا”، فقلت له يوماً”: يا أبا إسحاق إني أراك تكثر الدعاء لهذا الشيخ وتزعم أنه فقير مقلّ، فلمَ لا تتصدق عليه بشيء؟ فقال: أخشى أن يعتاد الصدقة، والصدقة آخر كسب العيد، وإن في الدعاء لخيرا كثيراً. قال أبو العتاهية في امرأته شعراً وهو في سجنه: مــن لقـــلب ٍ متيــــم ٍ مشــتاق شـــفّه شــوقُه وطــولُ الفـــراقِ طـــال شـــوقي إلى قعـيدة بيـتي ليـت شـعري فهـل لنا من تلاقي هــي حظي قد اقتصــرت عليهـا مــن ذوات العقـــود والأطــواق جـمــع اللــه عاجـلاً بك شــملي عــن قـريب وفكــني من وثاقـي Esmaiel.Hasan@admedia.ae