ما أحلى الديموقراطية، وما أجمل الإنشاد من أجلها، عندما كان مرسي و«إخوانه» في الهامش الاجتماعي والسياسي، واليوم وبعد أن امتطى صهوة الحصان المصري، أصبح من العسير جداً تصديق أن الديموقراطية أمر مستحب، لأن الكرسي برّاق، ويحتاج إلى نفاق، وكائن أفّاق، لا يبالي ببوح ملايين الحناجر التي نادت بصوت واحد.. إرحل. وقال مرسي بصوت مرتجف: لن أرحل، ثم أضاف قائلاً: رحيلي سوف يُسبب فوضى عارمة في مصر. إذاً الرجل ثابت لا متحول، مرابط إلى أبد الآبدين، لأن أجندته الإقصائية لا تؤمن بالرأي الآخر ولا تعترف بالأخطاء مهما بلغت وتراكمت وتورّمت، حتى ولو جاعت مصر، وتشتت أبناؤها، وذهب ماؤها خلف سد النهضة، وأجهشت سيناء من شديد العزلة، وبقيت مصر بتاريخها وجلالة قدرها تعاني من الضعف والأنيميا، كأصغر دولة في أميركا اللاتينية. مرسي مستعد أن يذبح الملايين على مقصلة التعنت والتزمت، ويطير الزبد من شفتيه، ولن يغادر مكانه. ولأن الذاكرة العربية مثقوبة، ولا تحفظ وداً ولا سراً، فإن مرسي نسي ما قاله عن الديكتاتورية وما كان يردده إخوانه ضد مبارك، فهذه الذاكرة ملعونة، ومخادعة ولئيمة إلى درجة الغثيان، وعندما يلمع الكرسي، تصبح حملاً وديعاً، وتدع صاحبها يغط في سبات الغي والطغيان، وينسى ما قاله، لأن ما قاله مجرد شعار يدفعه السعار. الملايين من المصريين قالوا بالأمس كلمتهم إرحل، وأججوا الشارع بحناجر مبحوحة مجروحة، بألم الرفض لنظام ما حقق غير الكلام، وما أنجز غير التصريحات النارية والعدائية للآخرين، معتقداً أن تصدير المشاكل للخارج سيحل معضلة الداخل، ولكن الشعب المصري الذي يعاني من صعوبة لقمة العيش، والذي من يقاسي من الكذب المؤدلج، لن يغمض له جفن ولن تستقر له حال، طالما كرَّس النظام الحالي الإلغائية والشوفينية، واختزل تاريخ مصر العريق، بشيء من الأناشيد الصباحية المهدئة والأشبه بالبندول. نقول لمرسي، إن الشعب الذي يعاني بلهارسيا الأكاذيب التاريخية، لن تسكن آلامه، هذه المهدئات، ولا حل لمصر، إلا بنظام يحترم الآخرين، ويقدر إرادة الشعب، فمضغ الشعارات الدينية المفرغة من محتواها العقائدي القويم، لن يشفع للإخوان، ولن ينفع مرسي، وكلما مر يوم وهذا الرئيس في سدة الحكم كلما ازداد احتقان الدمل، وكلما تزايد الصديد، كلما خسرت مصر أكثر. فلابد من الرحيل إن كانت هناك ذرة حب في ضمير حاكم مصر لمصر. مصر اليوم بحاجة إلى عشاق حقيقيين، وإلى محبين، يعتنقون الإرادة الشعبية، لحق الوجود وحقيقة لا تقبل القسمة على اثنين. مصر اليوم، تنتشر في قلوب المصريين كوحدة واحدة، بدون تمييز أو تصنيف، مصر للمصريين، وبدون عناوين، لا تمت بصلة لا للإسلام ولا لمصر، ولا لحقيقة هذا الشعب الذي عاش متآلفاً متحاباً على مدى العصور والدهور. ولعن الله من يفكر بغير ذلك. علي أبو الريش | ae88999@gmail.com