ستظل التركيبة السكانية تمثل أحد الملفات والقضايات المهمة التي تتطلب حلاً ليس بالقضاء عليها، ولكن بإيجاد حلول لبعض القضايا المهمة التي تنتج عن هذه المعضلة، والوضعية التي بات عليها المجتمع المحلي نتيجة الطفرة الاقتصادية وما أتاحته من فرص استثمارية كبيرة، توفرها الدولة لقاطنيها والعاملين على أرضها، فالهدف هو التعايش مع الوضع الراهن وتعزيز الهوية الوطنية وسط هذا الكم من أجناس البشر الذين يقطنون معنا ويعيشون بأمن وسلام بيننا، والحفاظ على شخصيتنا وموروثنا الثقافي والحضاري، وسط أمواج العولمة والتمازج الاجتماعي الثقافي الذي تشهده الحضارات اليوم.
فتعزيز دور المواطن وتعزيز حضوره وهويته الوطنية، وتعزيز المفردات الثقافية والموروث التراثي باتت مطالب في غاية الأهمية، للحفاظ على هويتنا وعاداتنا وتقاليدنا من الاندثار والذوبان، وسط كم الثقافات والحضارات التي تنازح ونتعايش معها يومياً تؤثر فينا ونؤثر فيها.
شخصياً، لا أرى أن معالجة خلل التركيبة السكانية يرتبط بالكم، أي ليس الموضوع اليوم كم عددنا؟ وكم عددهم؟، وكم يجب أن نكون؟ وكم يجب أن يكونوا؟ ونسبتنا ونسبتهم؟، لأننا بتنا في دولة متقدمة تنافس العالم في كافة المجالات، ونحتاج لحراك وتفاعل اقتصادي يعزز من قدراتنا وثقلنا بين دول العالم، فالإمارات اليوم ليست دولة منطوية على نفسها، متقوقعة في جحرها، بل دولة عصرية ومنطلقة شامخة بإنجازاتها وسمعتها ونشاطها الاقتصادي والثقافي والرياضي، ودولة محورية ذات ثقل في العديد من المجالات والأنشطة الحيوية بالعالم، ومن الأهمية بمكان وجود كثافة سكانية بها لتعزز من نشاطها وحيويتها بعد أن أصبحنا قبلة العالم، وهو ما بينه تقرير الأمم المتحدة الأخير الذي أكد تصدر الإمارات الدول العربية من حيث الرضا المعيشي والسعادة بين الشعوب، فهذه الثقة لم تأت من فراغ، بل نتيجة ما يجده المقيم على أرض الإمارات من راحة وسعادة وتوافر مقومات العيش الآمن الكريم له ولأسرته، ناهيك عن الفرص الاستثمارية التي تزخر بها الدولة، ومقومات العيش التي لايتوافر مثلها بأي بقعة أخرى على وجه الأرض.
ومجلس التركيبة السكانية في اجتماعه الأخير ركز على هذا الجانب والمحور المهم، بمناقشته مشروع القيم الإماراتية الذي قام المجلس بإعداده بالتعاون مع جامعة الإمارات ومشروع مراكز الاختبار الخارجية، لاختبار العمالة والذي يقوم به المجلس تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.
فمثل هذا المشروع الوطني سيسهم بلا شك في تعزيز الهوية الوطنية ويحافظ على هوية الإمارات، وسط كم الجنسيات العالمية التي تعيش على أرض دولتنا اليوم، خاصة أن القيم تعتبر محفزات متأصلة في أعماق الإنسان تقود وتبرر توجهاته وأفكاره وأعرافه وسلوكياته، من أجل الوصول للهدف الرئيسي وتحقيق رؤية الإمارات 2021 القائمة على خلق مواطن مسؤول واثق من نفسه وقدراته يسهم بشكل فعال في اقتصاد معرفي.
وعندما نستطيع خلق وتكوين هذا المواطن نكون قد لامسنا الجرح وعالجنا خلل التركيبة السكانية الذي يؤرقنا.



m.eisa@alittihad.ae