(إني أتجول بين عالمين، أحدهما ميت و الآخر عاجز أن يولد و ليس هناك مكان حتى الآن أريح عليه رأسي) ..نيلسون مانديلا كان يملك كل الخيارات وأختار التسامح، في عالم مضطرب تحيط به الفتن وتهرب منه حتى الحقيقة، دخل مهزوماً وخرج منتصراً وتقاعد بطلاً والآن مسجي على فراشه تنتظره النهاية ولا ينتظرها، الأمور دائما مختلفة في اللحظات الأخيرة، ليست كل نهايات المناضلين الحقيقين في ساحات المعارك! السر في بقائه وخلوده بيننا تقبله للآخر بكل ما يحمله من ألوان وأفكار مختلفة وتسامحه عندما ملك القوة و تنازله في الوقت المناسب واختياره أن يعيش مع عائلته بقية حياته. ( التسامح الحق لا يستلزم نسيان الماضي بالكامل) .. نيلسون مانديلا بعد سبع و عشرين سنة خرج من زنزانته الضيقة وشاهد بنفسه أن بعض العقول بأفكارها أضيق من زنزانته وحبيسة أفكارها الضيقة، بعضهم مستعد للموت في سبيل قضايا خاسرة وآخرون مستعدون للانتقام والبعض خائف من المجهول، القلوب بعد سنوات طويلة من التميز العنصري تحجرت والحرب الأهلية تقرع أبوابها وقد يكون الموت هو سيد الموقف ولكن “ماديبا” وهو لقب نيلسون مانديلا أختار الحياة والتعايش وقدم التسامح وقد كان خيار العبور الآمن كما يسمى بين حقبتين “التمييز العنصري و”التحول الديمقراطي” في تاريخ جنوب أفريقيا هو ما جعله حاضراً في الذاكرة الإفريقية حتى الآن ورغم أن الكثير ناضلوا معه وبعض من رفاقه سجنوا في جزيرة روبن وقدموا حياتهم هدية لوطنهم، لكنه كان الأكثر حضورا لأسباب كثيرة. إحداها إنه اتخذ القرار الأصعب في اللحظة الصعبة وتحمل نتائجه رغم كثرة من عارضه على قراره و بقي الرجل الأبيض حتى الآن بأملاكه و مزارعه و حتى بعضهم بما أقترفه من جرائم بحق “السود” بعيداً عن الانتقام رغم كل الظلم الذي أرتكبوه ضد السكان الأصليين فضل مانديلا نسيان الماضي والصفح وبدأ صفحة جديدة وسواء أتفقنا معه أو أختلفنا لن يغير شيئا من التاريخ و قليلون من يستطيعون الصفح والنسيان في مثل ذلك الموقف وكان الملهم الأول للبشرية هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين قال لكفار قريش اذهبوا فأنتم الطلقاء”. (العظمة في هذه الحياة ليست في التعثر لكن في القيام بعد كل مرة نتعثر فيها).. نيلسون مانديلا رؤساء دول يقفون عند بابه، شعبه يدعو له، العالم المنشغل بكل شيء يتذكره الآن، في أي وقت سيغادرنا ونتمنى أن لا يغادرنا الفارس الأسمر. الكل يتحدث عن إنجازاته، ممد على فراشه، يعلم يقيناً أن رسالته قد وصلت. خط النهاية أمامه، الكل يتسابق ليصل ليفوز.. كيف استطاع هذا التسعيني أن يصل قبل الجميع؟ جمال الشحي | jamal.alshehhi@gmail.com