جدلية التاريخ تعتمد على العقل، فالعقل مقياس الخطأ والصواب، السلب والإيجاب، الجيد والرديء، وهكذا تسكن الأوطان التاريخ، عندما يكون العقل كونياً إنسانياً، والحكم تاريخياً، لا تعكره فقاعة، ولا تزحزحه فزاعة، وطن اتكأ على الحب كميزان للقلب واتزان للعقل، وطن مد شراع الشفافية بأخلاق، أرهف من ورقة التوت، وأنقى من الماء الفرات، وأصفى من عيون المها، وأوسع من حدقة الصحراء، وأعرق من لسان البحر. وطن تاريخي، يصوب أخطأ المرجفين، بعبارة الانتماء إلى الإنسان، منضوياً تحت أجنحة العدل متساوياً مع النجوم في البريق، متوازياً مع الغيوم في نث القطرات والعذوبة الأزلية، وطن تاريخي، يختزل الزمان والمكان بكلمة عدل وبجملة العدل أساس الحكم، وطن تاريخي يؤرخ لمسيرة ظفرت بالمحبة، وفازت بامتياز بعلاقة الحاكم بالمحكوم، وتفوقت بفرادة على حرية الطير، في سماوات التحليق، وامتازت بإحسان الشجرة الخالدة. وطن عشاقه كثر فاضت بهم الجغرافيا، وامتلأ التاريخ امتناناً وتطور نسل الكائنات من جينات حية، وعياً بأهمية أن يكون الوطن، كائناً حياً، ينمو على التعاطف والتكاتف والتآلف، ينمو على رائحة الأنفاس المضمخة بعطر الانسجام والالتحام والالتئام، وبلا ريبة ولا شوائب. وطن كوني، وحكم تاريخي، أغصانهما المظللة، هذه العبارات الدافئة والبوح الكريم من أبناء أفهمتهم تجربة التنظيم السري، ومحاكماته معنى الحب عندما يكون محيطاً، ونحن سفنه الراسية على شطآنه الثرية، بالإبهار والازدهار، والأثمار، وأخبار الإرث التاريخي العريق. معالجة قضية التنظيم السري، بهذه الحكمة، وهذه الشيمة، وهذه الفطنة، وهذه الحنكة، لم تأت من فراغ، وإنما هي نتيجة لأسباب تاريخية، أهمها، ما غرسه الأولون من قيم رفيعة، ومبادئ سامية، وأخلاق متسامية، جعلت من الواقع الإماراتي، زهرة يافعة تزهو بعطر التميز، متفردة عن سائر المجتمعات، في هذا الحقل الإنساني الوسيع. معالجة هذه القضية بهذه القدرة الفائقة، يؤكد من جديد أن نهضة الإمارات ليست مادية فحسب، وإنما الموازي والمعادل هي هذه الثقافة، وهذه اليقظة الحضارية، النادرة في مجتمعات اليوم، فبينما تنغلق سجون العالم على أجساد الخارجين على سرب العدالة، تنفتح صدور محاكمنا، وتنشرح قلوبها، لكل بائح أو نائح أو شارح، طارح أو حتى كادح، ومن ثم تفصل بمفصل العدل، بكل بذل ودون كلل لأنها محاكم أنشئت لأجل درء الخطأ لا لأجل تراكم الأخطاء.. محاكمنا وليدة وطن فكره من نجابة دين حنيف، ومهابة تقاليد اجتماعية مبللة بماء الورد والريحان، وأشجان العاشقين النبلاء. علي أبو الريش | ae88999@gmail.com