أطلقت السلطات المحلية في إحدى البلدات الواقعة شمال إيطاليا مبادرة تمنع استعمال الهاتف النقّال في بعض المناطق والمحال والفنادق، بنفس كيفية المناطق والمحال التي يمنع فيها التدخين.
ومنذ إطلاق بلدية مدينة أودينا مبادرة” زوني سنزا سولياري” أي مناطق بلا هواتف خليوية، انضمت إليها العديد من المواقع في مختلف القطاعات الخدمية والسياحية في المدينة القريبة من الحدود مع سلوفينيا وغير بعيد من سواحل الادرياتيكي. وبموجب المبادرة وفرت الجهات المنضمة لها أماكن يمكن الاحتفاظ فيها بالهاتف النقّال، شرط أن يكون مغلقاً أو في وضع “صامت” خلال فترة وجود صاحبه أو صاحبته فيها هذه الأماكن.
وقد حاول فوريو هونسيل عمدة البلدة، وهو أستاذ جامعي للمعلوماتية، وحامل درجة علمية رفيعة في الرياضيات تبرير الخطوة، وهو يصرح بأنه اضطر للتدخل” أكثر من مرة في اجتماعات البلدية بسبب استخدام بعض الأشخاص هواتفهم الخليوية أثناء الاجتماع، سواء للدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي أم لإرسال الرسائل القصيرة”، حتى أنقذه “اقتراح أحد مستشاري البلدية بإنشاء مناطق من دون هواتف”.
وقد اعتبر الخطوة بأنها الأولى من نوعها في إيطاليا وأوروبا، معززاً الترويج لها بخلفيته العلمية مذكراً مواطنيه بالدراسات التي تشير إلى “الأضرار الناجمة عن المـوجات الكهرومغناطـيسية وتـــأثـــير الهـــواتف الخليوية على الدماغ”. ومشدداً على “ضرورة اتباع القواعد التي تحمي من المخاطر المرتبطة باستخدام الهاتف إلى أقصى حد ممكن، ولحماية الأطفال والمراهقين منها في الوقت ذاته”.
وقد تابعت جدلا أثارته المبادرة في عدد من وسائل الإعلام الإيطالية، في بلد يشارك الشعوب العربية في عشق السهر والكلام وتقدير الجمال. وانقسم فيه المتجادلون بين مؤيد ومعارض لكبح حرية الفرد في”الثرثرة” و”الفضفضة “ بما في الخاطر على رؤوس الأشهاد ممن تسوقهم الأقدار للتواجد في المكان. والواقع أن العديد من الشركات المشغلة للقطارات الحديثة في أوروبا أدخلت مؤخراً تقنيات تضعف استقبال إشارات” الموبايل” في مقصورة الركاب، وتقويها في مقصورة المطعم أو الأماكن المخصصة للمدخنين في الرحلات الطويلة.
مبادرة أودينا الإيطالية والعديد من شركات القطارات الأوروبية تهدف في حقيقة الأمر لحماية الفرد من الاستماع لمكالمة خاصة رغما عنه، تصل لدرجة الإزعاج عندما يكون المتحدث في المقعد المجاور له أو بالقرب منه ثرثاراً وذا صوت جهوري مزعج. بل أنه منذ انتشار الهاتف النقال، وجد فيه بعض المدعين ضالتهم، وهم يتصنعون الأهمية بالحديث عن أعمالهم وخصوصياتهم رغما عن المحيطين.
في العديد من الأمكنة الهادئة أو الصاخبة، تجد أمثال هؤلاء ممن لا يحلو لهم الحديث سوى بصوت مرتفع مزعج، دون أن يدرك مقدار ما يتسبب فيه من ضيق وإزعاج للآخرين. ودون أن يدرك حساسية الجهاز الذي بين يديه، والذي يستطيع أن ينقل صوته للطرف الآخر حتى وإن كان همسا.
وعندنا إزعاج “الموبايل” يتخذ مظاهر شتى، بدءا من صمت مدمني “البي بي” في ملتقياتهم الصاخبة عند “الكوفي شوب” وحتى تداخل رنات الجهاز وهي تطارد المصلين في أماكن العبادة، وهي مظاهر تتطلب مبادرات جريئة على طريقة “أودينا” الإيطالية.


ali.alamodi@admedia.ae