تشويق وسياسة، مكونان لخلطة سينمائية تقدمها هوليوود في فيلم واحد، فتسوّق بأحدهما الآخر. دخل المخرج الأميركي مارك فورستر بفيلمه الجديد World War Z (الحرب العالمية زد)، إلى منطقة الخطر الحقيقي التي تحيق بالبشرية. الأمراض القاتلة والأوبئة الفتّاكة. ففي العقود الأخيرة افترست نوازل مفجعة ألوف الأجساد في الشرق والغرب. دق ناقوس الخطر مع جنون البقر، تلاه إنفلونزا الطيور، ثم السارس، فإنفلونزا الخنازير (اتش وان ان وان)، وكورونا.. أمراض غامضة في مبدئها ومخبرها. من هنا يبدأ فورستر رحلته السينمائية. تتلخص فكرة الفيلم بسقوط الأميركيين (وبقية سكان العالم) ضحايا أمام كائنات مفترسة، وتحول المصابين منهم إلى مفترسين ناهشين بدورهم. فيصبحون أشبه بكائنات “الزومبي” المتوحشة، أو أموات ـ أحياء ndead بحسب التعبير المستخدم في الفيلم، لإضفاء مسحة واقعية على الأحداث. يدب الذعر ذات صباح بين الناس. يجد الموظف السابق في الأمم المتحدة جيري لين (يقوم بدوره براد بيت)، نفسه أمام مهمة مطلوبة منه: إنقاذ البشرية من مصيرها الأسود. تكرار جديد للثيمة الهوليوودية عن البطل الخارق. يفترض المسؤولون أن تتبع الظواهر الأولى لنشأة المرض في كوريا الجنوبية تساعد على مكافحته. يسافر جيري لين مع باحث شاب في علوم الأوبئة والفيروسات. وهناك تتبدى الفظائع صارخة بأقصى طاقتها. تتعطل مهمة المنقذ، وتتحول وجهتها لكي تأخذ طريقا سياسيا، يخدمه العلم أو يكون هو في خدمة العلم. يعرف إن إسرائيل هي البلد الوحيد الذي استطاع أن يتجنّب آثار الكارثة، فيسافر إلى القدس المحتلة. بصحبة رئيس الموساد يكتشف جيري لين الإجراءات التي حمت إسرائيل. وسط وحدات عسكرية تملأ الشوارع، يواصل الإسرائيليون حياتهم خلف جدار عال سوّرهم وعزلهم عن المحيط الموبوء. هو الجدار نفسه الذي أقاموه لكي يفصلوا الأراضي المحتلة عن المدن والقرى الفلسطينية. يغني اليهود والفلسطينيون الناجون اللاجئون إلى إسرائيل أغنية مشتركة للسلام. يفسّر قائد الموساد: كل واحد سليم يأتي إلينا هو “زومبي” أقل نحاربه. خارج السور تهتاج جموع “الزومبي” تريد اقتحامه بحثا عن الطرائد. وفي النهاية تتمكن الحشود المريضة من اجتياح إسرائيل فتدمر واحة الصحة والأمان الوحيدة في العالم.. هذه الرسالة السياسية التي يحملها الفيلم لا تتجاوز مساحتها الزمنية بضعة دقائق من ضمن 116 دقيقة، لكنها تفعل في الشريط السينمائي ما تفعله الرسائل الانطباعية المكثفة التي كان يمررها النازيون في شرائطهم الدعائية لكي تستقر في لاوعي المشاهدين. وهذا السبب هو الذي دفع موقع “تايمز أوف إسرائيل” الإخباري، إلى اعتبار فيلم World War Z “أهم قطعة بروباغاندا سينمائية لإسرائيل منذ فيلم Exod s لأوتو بريمينغر”. والأخطر من ذلك هو إن كتابات نقدية مرموقة تناولت الفيلم في الغرب، دعت لجعل رسالته قاعدة لحل مشكلة الشرق الأوسط. تستقبل إسرائيل أولئك الطيبين المعافين من “الزومبي”، ويبقى المتوحشون خارج السور.. رسالة قصيرة، وخطورتها في قصرها، فلا تتقعر، ولا تساجل، ولا تدخل في تعقيدات لا لزوم لها.. بعد ذلك يواصل بطل الفيلم مهمته فيصل إلى مقاطعة ويلز البريطانية، حيث سيكتشف هناك المفتاح الذي سيحرر العالم من استعمار الفيروسات المجرمة.. يبقى إن مارك فورستر (له “كرة الوحش” و”أغرب من الخيال”)، صنع فيلما خاليا من لحظات الوهن. مشهدية رائعة، وتقنيات مدهشة، وتوتر لاهث منذ اللحظة الأولى وحتى الأخيرة.. وهو ما جعل كرة السموم المتضخمة تصل إلى المشاهد في غلاف مستساغ. عادل علي adelk58@hotmail.com