في احتفالية بمناسبة أسبوع الأصم العربي السابع والثلاثين، التي نظمها مركز رعاية الأحداث بالمفرق، جلست أرقب باهتمام كبير خمسة شباب صغار على طاولة الغداء، يتبادلون حديثاً ضاحكاً بلا صوت، وحدها أطراف الأصابع كانت ترسم الكلمات في هواء المسافة بين العين والعين بين الخمسة الصغار الذين كانوا من فئة البكم، لحظتها تساءلت لو أنني جلست بينهم، من منا سيكون الأبكم فعلاً؟ لقد كانوا يتحدثون بأطراف أصابعهم بمنتهى الرشاقة والتلقائية والبراءة. وذات مرة سألتني أم لطفلين عن الدور الذي يمكن أن يؤديه الإعلام والمدرسة في تجسير الفجوة النفسية بين الأطفال الطبيعيين وغيرهم من أصحاب الإعاقات المختلفة؟ فقد شرحت لي كيف أخذت ابنتها ذات الخمسة أعوام تصرخ بهلع عندما جاءت لزيارتهم صديقة تصطحب ابنتها المصابة بمتلازمة داون، كانت تلك الطفلة تحاول الاقتراب منها، بينما الأخرى تصرخ خوفاً، فهي لم تعتد على رؤية هؤلاء الأطفال، تلك مشكلة حقيقية لابد من التنبه لها جيداً. إن الطفل أو الشخص المعاق سواء أكانت إعاقته جسدية (الأصم والأبكم والأعمى والمقعد..) أو صاحب الإعاقة الذهنية كالمصابين بالتوحد أو متلازمة داون أو أي إصابات أخرى، هم في نهاية الأمر أفراد يعيشون بيننا، ولهم حقوقهم الإنسانية الكاملة مثلنا، وحتى من وجهة نظر القانون والدستور فإن لهم ما يكفل حصولهم على كل الحقوق والخدمات والامتيازات التي تيسر لهم سير حياتهم بشكل طبيعي من دون أي انتقاص، كما أن اغلب قوانين العالم تمنحهم امتيازات أعلى درجة مما تمنح للأسوياء، نظراً لحالاتهم الخاصة التي تحتاج إلى شيء من الرعاية والاهتمام الخاص. في دول كثيرة تدرب بعض المؤسسات الرسمية أفراداً من المجتمع على التعامل مع هؤلاء، خاصة نزلاء مؤسسات الدولة ممن لا راعي لهم، كالأطفال الأيتام، وكبار السن، والعجزة، ومرضى التوحد، والمعاقين إعاقة كاملة.. إلخ، ليقضوا وقتاً بصحبتهم، في نزهات خارجية أو في مشاوير إلى السوق والحدائق مثلاً، بل تزيد بعض الدول فتخصص مقابلاً مالياً لهؤلاء الذين يقضون أوقاتاً منتظمة بصحبة المعاقين والعجزة، كطلاب المدارس والجامعات والعاطلين عن العمل مثلاً، انطلاقاً من أن هذه الفئات مسؤولية المجتمع في نهاية الأمر، وعلى مؤسسات المجتمع أن تجتهد في إدماجهم، وضمان حياة سوية لهم، بعيداً عن ذهنية العزل والنبذ والإهمال، بسبب حالاتهم الصعبة. في الإمارات لدينا الكثير من هذه التوجهات، فمجتمع يمد يده إنسانياً لكل العالم في الشدة والرخاء منذ تأسس، لا يمكن إلا أن يضم هذا النوع من المبادرات والتوجهات، ولذلك لدينا أبطال في رياضات المعاقين، ونوادٍ رياضية لهم، وتوجيهات واضحة باستيعابهم في الوظائف، والمؤسسات المختلفة، من هنا - وعوداً على بدء – ندعو مؤسسات التعليم إلى استيعاب هذه الفئات من الأطفال حتى يصبح التعامل معهم، كأصدقاء وكأشخاص طبيعيين، أمراً اعتيادياً لأطفالنا، بعيداً عن مشاعر التخوف أو أحاسيس الشفقة. لو نظرنا إلى قوائم كثير من المدارس لن نجد من بينها معاقاً واحداً، مع العلم بأننا نعلم بأن لهم مراكز خاصة بهم، لكنْ الحديث هنا عن الإدماج والاندماج الكامل في المجتمع، حتى لو كان تعليمهم يحتاج إلى آليات مختلفة، فإن الأمر يمكن التغلب عليه حتماً، وأتذكر في هذا المقام وجود فصول للتربية الخاصة في مدارسنا، فيما سبق، لمثل هؤلاء الطلاب، لنعتبر ذلك دعوة إلى أنسنة حياة أبنائنا التي تحولت إلى حياة تكنولوجية جافة تماماً. عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com